باحث جزائري يوصي بتنمية القدرات اللغوية للمذيعين العرب

تاريخ التعديل
6 سنوات شهر واحد
باحث جزائري يوصي بتنمية القدرات اللغوية للمذيعين العرب

زكريا حسين

دق أستاذ علم الاجتماع بالمركز الجامعي في تبسة بالجزائر، الدكتور سلطان بلغيث، ناقوس الخطر، حين قال إن واقع اللغة العربية على مستوى الممارسة الفعلية، من خلال الحوار والإنتاج الفكري، يتقهقر إلى آخر السلم لتأتي بعد اللغة اليونانية التي لا يتحدث بها إلا نحو 10ملايين، موصيا باستغلال الرسالة الإعلامية للفضائيات العربية بما يخدم لغة الضاد ويسهم في الارتقاء بها، وتنمية القدرات اللغوية للمذيعين وتنقية الفضائيات من شوائب الأخطاء.
وبصفة عامة، وصف بلغيث اللغة بالعملة الأبدية الأزلية المتداولة بين الناس، مشيرا إلى أنه «إذا كانت الدول تُنشئ القوانين وتسن التشريعات لحماية العملة من التزوير فمن باب أولى أن تُصان اللغة من التدنيس والتدليس، حتى لا يتعرض العلم والفكر الذي تحمله للإفلاس».
وشدد في ورقة علمية بعنوان «وسائل الإعلام واللغة العربية: الواقع والمأمول»، على ضرورة تولي لغة الضاد بالتحديث والتطوير حتى تكون دائما في مستوى التحديات التي يحفل بها العالم المعاصر.
وتابع «حياة اللغة العربية وحيويتها رهن استعمالنا لها وقدرتنا على توسيع مجالها، وحملها على الاستجابة لحاجاتنا لا يتوفر إلا بقدر ممارستنا لها وتحميلها لتجارب بشرية جديدة، وإبقاؤها لغة تواصل بين كل العرب رهين جمعنا لشتات معطياتها وتجسيمها في وسائل عمل متجددة وسعينا المتواصل على متابعة تطورها وتعهده».
وإذا كانت اللغة تعني حسب تعريف ابن جني لها، «مجموعة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»، فهل يكفي رجل الإعلام أن يظهر على الشاشة ويتحدث حتى يفهمه الجمهور؟ يجيب بلغيث بأن كثيرا من وسائل الإعلام المرئية كانت تعتقد واهمة أن الجمهور يفهم رسائلها، في حين أن العكس هو الصحيح؛ وعليه فمهما اختلفت لغة وسائل الإعلام، فإنها تخضع لحقيقة بسيطة وهي: الوضوح، والدقة، والمباشرة.

معاول نسف
وأبدى بلغيث استياءه من وضع اللغة العربية، فقال «على الرغم من أن العربية تعد اللغة الأولى في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، فإن واقعها على مستوى الممارسة الفعلية، من خلال الحوار والإنتاج الفكري، يتقهقر إلى آخر السلم لتأتي بعد اللغة اليونانية التي لا يتحدث بها إلا نحو 10ملايين! ومع تنامي وسائل الاتصال وسعة انتشارها، وكثرة الإقبال عليها، ولاسيما وسائل الإعلام المرئية، ازداد التوجس من مغبة تحول هذه الوسائل، بما تملكه من نفوذ جماهيري، إلى معاول تنسف اللغة، وتفسد استقامة اللسان، وتهوي بالذوق اللغوي إلى الحظيظ»،  مشيرا إلى أن التلاميذ يقبعون أمام جهاز التلفزيون أكثر مما يجلسون فوق مقاعد الدراسة.
وأردف «مع إكمالهم مرحلة الدراسة الثانوية يكون التلاميذ قد قضوا 20 ألف ساعة مشاهدة في مقابل 15ألف ساعة في المدرسة، ومع إغراءات الوسيلة الإعلامية تقيم جسرا متينا مع هؤلاء تتسلل من خلاله قيم معرفية عديدة، قد تؤدي إلى إزاحة ما تقدمه المدرسة أو على الأقل مزاحمته».
المستوى المطلوب
وعن المستوى اللغوي المطلوب من رجل الإعلام الالتزام به، قال بلغيث «لا يُطلب منه أن يتحدث إلى الجمهور بلغة سيبويه، بأن يبالغ في التقعر والتفاصح، وإنما أقصى ما يُطلب منه هو احترام قواعد اللغة والمعايير المنظمة لها، مما يضفي على أسلوبه مسحة من الأناقة والجمالية، وينأى به عن الإسفاف والرداءة والقصور، وعليه يجدر بمن يتصدى لمهنة الإعلام أن يُحسن التقدير في إبلاغ رسالته إلى الجمهور بحيث يوصل محتواها إلى المتلقي دون التجني على اللغة تطرفا أو قصورا.
غير أن هذا لا يعني أن في إمكان محبي اللغة العربية، وهم كثر كما نعتقد في طول العالم العربي وعرضه، السكوت دائما عن تلك المجزرة اليومية التي تنحر اللغة العربية في كل ساعة ودقيقة على الشاشات الصغيرة، في معظمها، إن لم يكن في مجملها، أو عن تلك المجزرة الأخرى التي تطاول أبسط المعلومات وبعض البديهي منها، في برامج عدة، يتحدث فيها مقدموها، أو المشاركون في تمثيل حلقاتها بلغة ذات أداء سيئ أو منحرف».

مقترحات علمية
وخلص بلغيث إلى جملة من المقترحات التي يمكن أن تسهم إلى جانب غيرها من الرؤى في إعادة المياه إلى مجاريها وجعل اللغة العربية رافدا من روافد النهضة العربية المنشودة، على النحو الآتي:
• استغلال الرسالة الإعلامية للفضائيات العربية بما يخدم اللغة العربية ويسهم في الارتقاء بها، من خلال ضبط النشاط التلفزيوني وإخضاعه للسياسة التربوية الشاملة. 
• إنتاج المصطلحات العربية وترويجها إعلاميا والمتابعة المستمرة لأنشطة المجامع اللغوية ومراكز التعريب وتوظيف جديدها إعلاميا حتى تجد هذه المفاهيم طريقها للذيوع الجماهيري، ولتكون اللغة العربية أكثر مواكبة للتطور المعرفي والتقني للحضارة المعاصرة، ويعفى المستعملون والناطقون بالعربية من توظيف ألفاظ أجنبية للتعبير عن هذه المنتجات الحديثة.
• نقل الوعي باللغة من مستوى النخبة إلى مستوى الجماهير، وذلك ليس معناه النزول باللغة العربية إلى دركات الإسفاف والابتذال بل التخلص من لغة الدواوين على المستوى الإعلامي، لتصبح اللغة العربية لغة تفكير إعلامي وعلمي تتكيف مع التحولات وتفي بغرض واقع الحال، وتحتفظ بأصالتها وقوتها بحيث تؤدي الغرض وتنقل المعنى بجزالة التعبير وسلامة الأسلوب.
• استثمار الثورة الإعلامية، ومن خلالها موجة البث الفضائي العربي، في تعزيز الوحدة العربية الإسلامية والعمل على إعادة الانسجام للنسيج اللغوي، وتجنب الدعوات الرامية إلى توسيع هوة الخلاف العربي من خلال تمزيق النسيج اللغوي إلى مجموعة من اللهجات المتنافرة التي تبث الفرقة أكثر مما تجمع الشمل العربي. 
• تنمية القدرات اللغوية لدى المذيعين وتنقية الفضائيات من شوائب الخطأ اللغوي، ومما لاشك فيه أن التزام القائمين على الإعلام بقواعد اللغة من شأنه أن يضبط التطور اللغوي ويضعه في مجراه الصحيح فيصبح مثل النهر تدفقا ونماء، ودون ذلك فإن اللغة مهددة بالتحول إلى مجموعة من البرك الآسنة التي تشوه اللغة وتجعلها عرضة للأمراض والأوبئة.