المُبْتَعَثَة منار المالكي:"رحلة الابتعاث بوابة لخبرات متنوعة، واستثمار على المدى البعيد"

تاريخ التعديل
7 أشهر أقل من أسبوع
المُبْتَعَثَة منار المالكي:"رحلة الابتعاث بوابة لخبرات متنوعة، واستثمار على المدى البعيد"

 

"التحديات التي واجهتها خلال السنة الأولى من الابتعاث رغم صعوبتها نظرًا لظروف الحمل والولادة، مكنتني من صقل قدراتي والمضي قُدُمًا لمجابهة الصعاب، وقد أثمرت بتقديمي عرضًا مميزًا، عرفت فيما بعد، أن قسم اللغويات في جامعة مكوراي صنفه كأفضل عرض قدم بين طلبة الدكتوراه في الفترة الأخيرة".

 

هذا ما قالته لنا طالبة الابتعاث لمرحلة الدكتوراة في سيدني الأستاذة منار سعيد المالكي من خلال الحوار الذي أجريناه معها، الذي تحدثت من خلاله عن تجربتها في الابتعاث.

 

 حدثينا عن نفسك، من هي منار؟

 منار سعيد أبو عشي المالكي، حصلت على درجة البكالوريوس في تخصص اللغة الانجليزية مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة الملك خالد، حيث كنت الأولى على دفعتي، ومن ثم التحقت ببرنامج الدراسات العليا في جامعة نجران، حيث حصلت على درجة الماجستير في تخصص اللغويات التطبيقية مع مرتبة الشرف الأولى أيضًا، وأنا حاليًّا طالبة دكتوراة في السنة الثانية في قسم اللغويات في جامعة ماكواري الأسترالية، التي تحتل المرتبة 27 حسب تصنيف QS في مجال اللغويات لعام 2023.

من الداعم الأول لكِ برحلة الابتعاث؟

 

الحمد لله -أولًا- على عونه وتيسيره، "إذا لم يكن عون من الله للفتى  فأوّلُ ما يجني عليه اجتهاده"، وثانيًا: أنا مدينة لزوجي بالكثير على تفانيه وبذله وتضحياته ودعمه اللامحدود لي منذ اللحظة الأولى التي اتخذت فيها قراري بالتوجه للابتعاث الخارجي، وأودُّ كذلك أن أزجي شكري لعائلتي الحبيبة، وعلى رأسهم والدايّ الحبيبان اللذان بذرا فينا حب العلم والتفوق، وكانا خير مثال للتميز العلمي، الذين ما نضب عطائهم، ولم يتوقف فيض دعواتهم لأجلي، وممتنة عظيم الامتنان لأخي العزيز الذي ما فتئ يقدم دعمه وخبرته بحكم سابق تجربته في الابتعاث.

 

ما هو أعظم إنجاز لكِ سواءً كان على الصعيد الشخصي أو الأكاديمي؟

أكاديميا: أفخر برسالتي بالماجستير حيث كنت من أوائل من خاض غمار البحث في مجال تحليل الخطاب Discourse Analysis بين قريناتي، بالذات تحليل الخطاب النقدي Critical Discourse Analysis، حيث تناولت خطابات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وحرمه ميشيل أوباما لسبر أغوار طرق الاقناع لغويًا.

أما فيما يخص مرحلة الدكتوراة، فقد قدمت عرضًا عن مجال بحثي في جامعة مكواري خلال الفترة الماضية، وقُيّم من قبل أساتذة القسم على أنه أفضل عرض قدم خلال السبعة أشهر الماضية.

حدثينا عن رحلتك بالابتعاث الى مدينة سيدني وكيف تصفين شعورك في بداية الطريق للدراسة خارج أرض الوطن؟

كان شعورًا تكتنفه الرهبة من مواجهة التحديات، في الوقت الذي يخالطه الحماس لخوض تجربة جديدة ومختلفة.

بالطبع خلال الشهر الأول من وصولنا لمدينة سيدني واجهنا صعابا عدة؛ بدءًا من رحلة البحث عن سكن وانتهاء بمحاولاتنا التأقلم مع بيئة جديدة مختلفة تمامًا عمَّا عهدناه، لكن هذه المصاعب عرَّفتنا بجليل نعمة الأهل والوطن العظيم الذي ألفنا مراتعه، وهنئنا فيه برفاهية العيش، وارتوينا من نمير عطائه الفياض.

 

كيف اندمجتِ مع المجتمع الخارجي في ظل اختلاف الظروف الثقافية والدينية والاجتماعية؟

في الحقيقة، المجتمع الأسترالي يحتضن ثقافات متنوعة وجنسيات مختلفة، لذلك لديه الاستعداد لقبول الآخرين دونما تفرقة أو عنصرية، ولا ينفي ذلك وجود تحديات واختلافات على الصعيد الديني والثقافي والاجتماعي، لكن المُبْتَعَث يقدم الاحترام دائمًا من دون تنازل عن اعتزازه بهويته الدينية والوطنية، بل يبذل جهده في مختلف المواقف لأن يكون خير نموذج للأخلاق الرفيعة، ليقدِّم صورة راقية عن دينه ووطنه.

 

هل واجهتِ أية عقبات في رحلة ابتعاثك؟

 

كان أكبر تحدٍ واجهته في بداية رحلة الابتعاث هو كوني حاملًا، إذ صدر قرار ابتعاثي وأنا في الشهر السابع من الحمل، الأمر الذي زاد من الصعوبات كمشقة السفر، ومرورًا برحلة البحث عن السكن، فضلًا على بدء الدراسة من أول أسبوع وصلت فيه إلى سيدني.

كذلك الولادة بعيدًا عن الأهل، وهي من اللحظات التي تتجلى فيها الغربة ويتعمق فيها الشعور بالحنين لقربهم.

ومن التحديات أيضًا استئنافي العمل مع مشرفتي من الشهر الثاني بعد الولادة، وما مثَّله هذا الأمر من صعوبة، كون طفلتي في سن صغيرة جدًا وتحتاج إلى الرعاية المستمرة، ولكن لم يكن أمامي إلَّا أن أتمثَّل قول الشاعر:

لأستسهلنّ الصّعبَ أو أُدرِكَ المُنى// فما انقادت الآمالُ إلَّا لصابرِ

 

 كيف تصفين شعورك بعيدًا عن أهلك وأصدقائك؟

إنّ الحنين للأهل والوطن وافتقادهم في الغربة شعور يرسو على مرفئ الفؤاد فلا يكاد يفارقه، كيف لا والأهل والأوطان هي أغلى ما يملك الإنسان، لكن السعي نحو تحقيق الأرب ومحاولة الوصول للغاية يخفف من وطء الغربة، ويغدو وقودًا لمواصلة المسير ومجابهة الصعاب.

 

 كيف كان المجتمع الذي تعايشتِ معه في أثناء فترة ابتعاثك؟

في الحقيقة أود أن أثني على تكاتف المجتمع السعودي هناك ودعمهم، إذ كانت اللقاءات التي تعقد تحت مظلة النادي السعودي تخفف عنَّا كثيرًا من شعور افتقاد الأهل والوطن، كما أنّها تمثل حلقة وصل للمبتعثين لتبادل الخبرات والتجارب.

 

 كيف تصِفين الفرق بين التعليم داخل المملكة العربية السعودية وخارجها؟

 

ما يميز التعليم الخارجي هو الدعم الكبير لطالب الدكتوراة وتقديره ومحاولة تذليل الصعاب له، خصوصًا في مجال البحث، وكذلك ثراء المراجع وتنوعها وسهولة الوصول لها.

 لكن لا ننكر أن التعليم داخل المملكة العربية السعودية يشهد حاليًّا قفزات كبرى لتطوير برامج الدراسات العليا والنهوض بها نحو المعايير العالمية.

حدثينا عن تخصصك في أثناء مرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، وهل كان من رغباتك، وعن سبب تعلقك به؟

تخصصي هو اللغويات التطبيقية، ومجال بحثي في الماجستير والدكتوراة تحديدًا، يُعنى بالتحليل النقدي للخطاب، وهو أحد المنهجيات المتقدمة في دراسة الخطاب، التي تصنف اللغة كأحد أشكال الممارسات الاجتماعية، التي لها ثقلها في تكريس القيم والمبادئ المجتمعية.

لقد شغفت في هذا الجانب العلميّ؛ إذ أنه لا يتناول اللغة من زاوية محدودة، بل يهدف لإلقاء الضوء على الدور الكبير الذي تلعبه اللغة اجتماعيا في تكوين المفاهيم والأيديولوجيات المختلفة.

 

 ما الذي تطمحين لتحقيقه عند العودة لأرض الوطن؟

أطمح إلى مشاركة خبراتي ونقل ما اكتسبته خلال رحلة الابتعاث، وإثراء المجتمع اللغوي بحثيًا، والانضمام إلى كوكبة الباحثين في مجال تحليل الخطاب عالميًا لرفع اسم الوطن عاليًا في هذا المجال.

في الختام، ما هي نصيحتك لمن يريد أن يخوض تجربة الابتعاث؟

 

 

رحلة الابتعاث رحلة ثرية، لا تقتصر على الدراسة فقط، بل هي بوابة لخبرات متنوعة، وتفتح للمبتعث آفاقا رحبة في مناحي متعددة من الحياة، وهي استثمار على المدى البعيد وفرصة لاستخراج مكامن الإبداع والتميز في المُبْتَعَث.

 

 لين آل مرعي