أي مستقبل للغات؟.. إصدار حديث يناقش الآثار اللغوية للعولمة

تاريخ التعديل
6 سنوات شهر واحد
أي مستقبل للغات؟.. إصدار حديث يناقش الآثار اللغوية للعولمة

يسلط كتاب «أي مستقبل للغات؟ الآثار اللغوية للعولمة» الصادر حديثا عن مؤسسة الفكر العربي، الضوء على  مصير اللغات ومستقبلها وإمكانية حمايتها في ظل العولمة وهيمنة بعض اللغات ومركزيتها، وهو من تأليف الباحث اللغوي الفرنسي لويس جان كالفي، وترجمة الدكتور جان جبور.
ويسعى المؤلف إلى بلورة ما أسماه «علم السياسة اللغوية»، الذي يساعد في الإجابة عن الأسئلة المعقدة التي تطرحها العولمة في جانبها اللغوي، فالسياسات اللغوية برأيه، تشكل «تدخّلات» تستهدف اللغة، أو العلاقات بين اللغات، لكنها ليست العامل الوحيد المؤثّر.
وإذا كان بإمكان دولة ما أن تتدخل في نقاش حول قواعد الكتابة، وأن تقر قانونا يحمي اللغة، وأن تحدد الوضع القانوني للغات مناطقية، فإن هناك أنواعا أخرى من الإجراءات لا ترتبط بالدولة، يقوم بها أفراد أو مجموعات.
ويضيف المؤلف «في السياسة اللغوية، يجهل صناع القرار في أغلب الأحيان ماذا يفعلون، أو لا يدركون الترابط الأيديولوجي العام لاختياراتهم التجريبية».
وينتقل الكاتب إلى دراسة حالات كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والأرجنتين، ليُظهر أن المسألة اللغوية ترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع السياسي، فحينما يكون وراء المطالبة اللغوية مشروع سياسي، فمن الملائم مقاربته في الميدان السياسي، حسب تعبيره.
ويتطرق المؤلف لما أسماه «موت اللغات»، مشيرا إلى أن اللغات التي تندثر تؤشر لحالات تتلاقى فيها عوامل سياسية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، لتدفع بالمتكلمين إلى الاستغناء عنها تدريجيا، فتبطل أن تكون لغات «ناشرة» (أيّ لغة التواصل المشتركة) شيئا فشيئا.
ورغم أن المؤلف يذهب إلى القول بأن جميع اللغات متساوية أمر لا جدال فيه، فإنه يرى أن بعض اللغات تعد مرموقة، موضحا أنه إذا كانت اللغات غير متساوية في الواقع، فهل يتحتم علينا أن نكافح من أجل مساواتها؟ هل بإمكان السياسات اللغوية «حماية» اللغات المهددة بالانقراض؟، وهل يجب عليها ذلك؟
وأما السؤال المحوري الذي خلص إليه المؤلف فهو كالآتي: أي مستقبل لغوي للعالم في ظل العولمة؟ ويرى أن الأوضاع اللغوية تتغير باستمرار، ومهما كانت عملية المسح دقيقة، فإنها لا تلبث أن تتبدّل بسرعة.
والعوامل التي توثّر في هذه التغيّرات متنوّعة، ولا يمكن لعامل لوحده أن يفسرها. فهناك الديمغرافيا، والنقل، والتحضر، وسياسات الدول، والتكنولوجيات الجديدة، التي حولت العالم إلى «سوق» تحظى فيها اللغات بتراتبية، إذ يكون بعضها في قلب النظام العالمي؛ لأن عليها الطلب الأكبر، وبعضها الآخر على الطرف أو الهامش، ويتم التخلي عنها شيئا فشيئا.
يؤكد الكاتب أن عملية تقدم أو تراجع اللغات كانت موجودة على الدوام، لكن العولمة حولت ظاهرة ظرفية إلى ظاهرة بنيوية؛ ويقول «إنها تميل لخلق فجوة بين المركز والأطراف، فتتسبّب ببروز ردود فعل طوائفية، مما يشجع على ظهور التعبيرات الهوية المتشددة.
كل ذلك يرسم مستقبلا لا تكون فيه، في مواجهة لغة العولمة، إلا لغات إقليمية، هوية، بعد أن تكون اللغات الفائقة المركزية، كالفرنسية والإسبانية والبرتغالية والعربية، قد أُنهكت أو على الأقل وضع حد لتوسّعها ولوظائفها».
 ويواصل «ليس «موت» اللغات إذا هو الذي يميز العولمة في جوانبها اللغوية، وإنما بالأحرى إعادة توزيعها الوظائفي، بحيث يتحول سوق اللغات ببطء إلى سوق زائفة، لن تُفسَح لنا فيها قريبا أي مجال للاختيار: من جهة، نحن نكتسب لغة لا نختارها تُنقل إلينا عبر أهلنا، ومن جهة ثانية، ستفرض علينا بطريقة أو بأخرى لغة العولمة، اللغة الإنجليزية».