الأديب أحمد عسيري: شاخ العمر ولم تشخ الرغبة في القراءة والتأليف..

تاريخ التعديل
سنة واحدة 3 أشهر
الأديب أحمد عسيري: شاخ العمر ولم تشخ الرغبة في القراءة والتأليف..

"أعتقد أن كل كائن بشري معرض للفشل والانكسار والتقويض، ولكن العبرة بالارتدادات الذاتية والنهوض من جائحة الكبوة.. " هذا ما قاله الأستاذ أحمد عسيري الأديب والمثقف ؛ وصاحب القلم الرشيق، حينما حاورته صحيفة(آفاق )  الجامعية أثناء حضوره للجلسة الأدبية بالجامعة .

من هو أحمد عسيري؟

هو واحد من عمال المعرفة، ينتصر للوعي باعتباره ضد التيه والضياع، وسلما لبلوغ النقطة الأبعد في الإدراك، وضمانا لتدفق الحياة، وجذوة تمنع محو الذاكرة، وسلاما لخلايا الروح كي لا تذوب في الفراغ والعدم، فليس هناك أخطر من الاطمئنان للجهل والتخلي عن رغبة الوصول إلى المبتغى والحلم المؤجل والبعيد.

صف لنا بداياتك في المجال الثقافي والأدبي؟ 

قلت ذات يوم إجابة على مثل هذا السؤال؛ حين تشرق شمس الله على قريتي (الملاحة) في جبل عسير؛ كنت أستيقظ كعصفور العنب، أسمع بوح العشاق كالوله العاصف، وأصغي لصرير الأقدام الحافية؛ المتساكن مع جسد التربة وطمي الحقول؛ وبرد (الضريب)؛ وحنين ذبابات العشب النائم، كانت أصواتهم تحتلب شجن الأشجار، وأيديهم تلامس حرقة السنابل، وتشع من سحناتهم إشراقة الطين، وهبوب ريح العشيات العسلية، أراهم يعودون في المساء القروي ؛وقد توشحوا وتبللوا بأريج الحقول المسكوب على  كفوفهم ؛ والمخبوء تحت ضلوعهم ،ليشتعل ليلهم الأليف بأغان تموج كالأجنحة  الرهيفة ،وتجمح كجنون الدهشة ، وترف كترجيع السواقي ،وتصعد كالغمامة فوق مداميك حصونهم  ، من هنا قرأت جيداً في وجوههم،  ودفء حناجرهم الحياة ، وأبجديات الأرض وأسرارها ، وحنطة الحروف وأنفاسها ، وكتاب العقل وغموضه ، وقصائد الأرواح البيضاء ورقتها ، وأمشاج التظي والمخزون الجمالي الغائر في وجدانهم الأخضر ،من هنا استقيت معجمي الشعري والنثري ، مما دفع الأديب والشاعر والناقد الدكتور أحمد التيهاني ليطلق عليه ( المعجم البستاني ) 

ما هي المعوقات التي اعترضت مسيرتك العلمية والأدبية؟

أعتقد أن كل كائن بشري معرض لتداعيات الفشل والانكسار والتقويض، ولكن العبرة بالارتدادات الذاتية والنهوض من جائحة الكبوة، والتخلص من وعثاء تلك المنغصات والأفق المسدود، فمهما استطالت تلك المعوقات بجبروتها ؛ وكثافة استبدادها وعتمتها ؛ فإنها لن تحول بينك وبين مبتغاك بإذن الله، حين ترفض الانهدام والإمحاء، والقذف بك في الفراغ الموحش، فإيمانك هو دافعك وملاذك حين تعترضك صخور الطريق، وعلى الصعيد الشخصي كان (اليتم) هو محرقتي وعذابي وجمر معاناتي، ولذا عليك أن تسير وتتأمل هذه العبارة (اختفى الشعاع فجأة، أعتقد أن غيمة تعبر فوق البيت، أشعة الشمس تختفي فقط لسببين: إما يحجبها الغيم، أو يكون الوقت ليلاً، نحن الآن في الصباح، إذن الأرجح أن غيمة تعبر). لذا ألوم بعض الشباب حين يضخم موقفاً حياتيا مر به، أو يتحول إلى حطب يابس أمام مشهد عابر، عزيزي لا أستطيع أن أدخل في التفاصيل الخاصة بي،  والموغلة زمنياً رغم ضخامتها، لأن ذلك سيأخذ وقتاً ليس بالقصير، وما زلت أرمم تلك التوقعات والتأوهات العصية على النسيان، وأنظر إليها وهي تصغر حد التلاشي ، وتصبح كالقدح المكسور على قارعة الطريق بفعل الصبر واليقين في قدرة الله. 

ما هو أكبر إنجاز تفتخر به؟

يقول صموئيل بيكة؛ إن حبي هو الكلمات ، (ولا أملك منها إلا القليل) أنا مسكون باللغة والتواصل مع الآخرين (شعراً ونثراً وتعليماً وإذاعة وتلفزة)؛ ولذا فهي أقدار قادتني لأكون في هذه المحاضن ؛ وأنجز ما أستطيع حسب القدرة والممكن والتراسل مع معطى الواقع، من خلال مكون ذهني، ونسق فكري، وانشغال نقدي متواضع.

ما هي طموحاتك وتشوفاتك المستقبلية؟

 ما أصعب ترويض العمر ،واقتياده عنوة لكي يستكمل وظائفه وأدواره وطاقاته ونوازعه الدفينة ، فالعمر قصير لا تكاد تبتدئ به إلا ويفاجئك بمنتهاه ،وطبائع الشخصية الإنسانية ومشاعرها، وقواها التفكيرية ومسالكها العقلية وطموحاتها الفتية ،ورغباتها المكبوتة ، كل هذا لا يبقى بنفس الدافع والوهج واليقظة والقطفة الأولى من ثمر العمر، إنها سنة الحياة يا صديقي ولذا استبدلت كل التجليات الماضوية بالتأمل في أسرار الموجودات وفق حراكها التاريخي ومفاعيله وتحولاته، مما يجعلك أكثر استبصارا واستحضارا وبعدا عن الخيال الواهم.

كيف كانت البدايات مع القراءة والتأليف؟

لا أجدني جميلاً إلا بين كتبي. مقولة محرضة وواعية وفاعلة ومؤثرة تستبطن وتلمح في فضائها معنى الاستقرائية، والحفر المعرفي، القراءة هي الدهشة والإشباع الجمالي، هي التأسيس المنهجي والإجرائي الذي يحتمي به العقل من الانهيار والتشظي، القراءة احتياج إنساني، ووثيقة تاريخية ونفسية وثقافية ؛ تدل على نسيج الشعوب الحية، وتستحضر مزاجها العام، إما بقصور الوعي، وإما بيقظتها المتعالية، أما قصتي مع القراءة فقد بدأت منذ اللحظة التي أبصرت فيها كتاب المنهج المدرسي، وسحارة العم (سيد) رحمه الله الذي يبيع الكتب المستعملة في برحة القزاز في الطائف قبل ٦٠ عاماً، ومن هنا شاخ العمر ؛ ولم تشخ الرغبة في القراءة والتأليف.

بماذا تنصح الطلاب في جامعة الملك خالد؟

جامعة الملك خالد منجز تاريخي ،وقلعة من قلاع العلم في بلادنا، مؤثر جوهري وحضاري ،ومنارة لا تغيب عنها الشمس ، ليست نصيحة ولكن رجاء لأبنائي الطلبة أن يحولوا التلقي فكراً ، أي جعل (العقل عقلاً ديناميكياً توالدياً لا عقلاً ساكناً وعقيماً) وأن يستمروا وينفتحوا على حياة المجتمع والبيئة وذخائرها من خلال البحوث والدراسات المعمقة؛  ليسدوا فراغات لم تملأ بعد ؛ ولم تلامسها أو تخطئها عين باحث، نظراً لكون بحوثهم تحت إشراف قدرات علمية تتمتع بالرصانة والمصداقية، والوعي القيمي، وكم يسرني أن أهدي هذه الأبيات والخاطرة الشعرية لهذه الجامعة المشرقة بالعطاء والمعرف. 

مليحة العصر في الفرعاء سكناها

ويمحض الروح والوجدان مرآها

دار العلوم سقاها الله محتضناً 

ينساب في صبحها فكر ومساها

أم الحضارة شعت في مرابعنا

يطايب مغرسها يطايب مجناها

كم حلقت في دروب الوعي ترسله 

في كل دار من الأفكار أسماها

واليوم يسرح في أطرافها نظري

منارة مسها نجم وحاذاها

يقالعه النور كم أحييت من أمل 

كم فاخر الجيل في أرضي وكم باهى

وسعت دنياك آمالا مجنحة 

فكل خفقة نبض تشكر الله

 

 

عبدالله آل منشط