نظرية الفراشة.. والفوضى!

تاريخ التعديل
6 سنوات شهران
نظرية الفراشة.. والفوضى!

تحدثنا في العدد قبل الماضي عن قصة الفوضى لنعرف، هل هي حقافوضى؟!.
واليوم نعود لهذا الموضوع؛ لنحاول فهمها أكثر ولنبدأ بحكاية نظرية الفراشة.
ماذا كان سيحدث لو نجح هتلر في الانتساب إلى كلية الفنون (كان هتلر يحلم أن يصبح رساما)، تخيل لو أن طفلا مهملا ألقى في شهر فبراير 1879 مثلا قشرة موز في شارع ما في ألمانيا، وصودف أن داستها امرأة حُبلى ووقعت، وأسقطت جنينها الذي كان سيصبح أينشتاين لو لم يقُدِّرَ له أن يولد، تخيل كمية القوانين العظيمة التي كانت ستختفي من حياتنا. 
هذا هو تأثير الفراشة، حين تخفق فراشة بجناحيها في جزيرة هونغ كونغ الصينية، فإن إعصارا غير متوقع قد يحدث في ولاية تكساس الأميركية.
هذا هو ما يسمونه بتأثير الفراشة Butterfly Effect ،الذي يشكل إيجازا وتقريبا  لنظرية «الشواش» أو «الفوضى» Theory Chaos في العلوم الفيزيائية والرياضية، والتي يعود الفضل في اكتشافها للأميركي «إدوارد نورتون لورنتز»، وهو رياضياتي وعالم أرصاد جوية أمريكي، وضع هذه النظرية عام 1963، حين كان يبحث عن نمط معين للتنبؤ بالأعاصير وتكونها وكيفية بداياتها وتشكلها النهائي.
ولكن هذه النظرية أصبحت تستخدم في العلوم الاجتماعية، وخاصة الاقتصاد وما يتعلق بأسواق المال بصفة أخص، وكذلك في مجالات أخرى كثيرة.
لم تكن للشوائب الطفيفة حسب قوانين نيوتن تأثير يُذكر على الأنظمة، ثم جاء العالم بوانكاريه ووضع الأساس لنظرية الفوضى التي تقول: إن الشوائب الطفيفة في الأنظمة يمكن أن تحدث نتائج عظيمة، لكنه لم يقدم إثباتات لهذه الفرضية، فرفضها المجتمع العلمي، لا سيما أنها كانت تتعارض مع حب الإنسان للإحساس بالسيطرة على كل ما حوله.
بعد ذلك، وفي عام 1961، جاء عالم الرياضيات والأرصاد الجوية إدوارد لورانس، وحاول أن يصمم بعض المعادلات التي يمكنه من خلالها التنبؤ بحاله الطقس، ولاحظ لورانس أن تغييرا قيمته  (0.000127) في مجهول واحد من هذه المعادلات يغيّر الطقس تماما.
من هنا صرح أن من المستحيل بأي شكل من الأشكال التنبؤ بحالة الطقس بدقة، وهذا كان الأساس لنظرية الفوضى.
وفي سنة 1972، أطلق «لورانز» على هذه الظاهرة اسم «مفعول الفراشة.
إذا، هل سنصدق نظرية «الشواش» أو الفوضى هذه، وحكاية جناحي الفراشة؟
حينما ننظر إلى أحداث السياسة ومحدثاتها، بل إنه يمكن القول إن كثيرا من تلك الأحداث ومسارها كانت بدايتها، خفقان جناحي فراشة أو حتى بعوضة هنا أو هناك.
ولعل أبرز ما يخطر على الذهن هنا هو تلك الرصاصة التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى.
ففي هذه الأيام تمر الذكرى المئوية لاغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد إمبراطورية النمسا والمجر (1863-1914) الذي اغتيل يوم 28 يونيو 1914، على يد «غافريلو برنسيب»، وهو قومي صربي من أعضاء منظمة «الكف الأسود» القومية الصربية المتطرفة، في مدينة سراييفو في البوسنة والهرسك، وكان اغتياله بداية لسلسلة من الأحداث انتهت باشتعال الحرب العالمية الأولى التي استمرت أربع سنوات (1914-1918)، وحصدت أرواح أكثر من تسعة ملايين إنسان، غير الجرحى والمعاقين، وأعدت المسرح لكثير من الثورات الشعبية في العديد من الدول الأوروبية، لعل أهمها ثورة أكتوبر في روسيا، والثورة الألمانية عام 1918، وبداية صعود النازية والفاشية، والتمهيد للحرب العالمية الثانية.