حصون عسير الأثرية تزهو وسط الطبيعة الخلابة
أضاف البساط الأخضر الذي غطى جميع محافظات منطقة عسير بعدًا جماليًّا لافتًا للقصور الأثرية التي تتوزع في أجزاء واسعة من المنطقة.
وأسهمت الأمطار الغزيرة التي يتواصل هطولها على المرتفعات والسهول منذ أكثر من شهر في إنماء الغطاء النباتي وتشكل لوحات طبيعية تتوسطها الآثار العريقة التي يعود تاريخها بعضها إلى ما يزيد الـ" 300 عام ".
وعادت عيون المياه التي كانت تحيط بتلك الآثار قبل عشرات العقود إلى الجريان هذا العام لتعيد للذاكرة ملامح من حياة قاطني تلك القصور والبلدات الأثرية العريقة ، حيث كانت تبنى عادة بالقرب من مصادر المياه كالعيون الجارية والآبار .
وبنيت الحصون في منطقة عسير قديما للدفاع ضد أي عدوان يواجه المنطقة التي يوجد بها هذا الحصن، أو تخزين الحبوب والعلف وإيواء الأنعام وما شابهها، كذلك تعد رموز ملكية للأراضي الرعوية والزراعية التي تبنى عليها، إضافة إلى أنها علامات طرق للمسافرين ، وقد تستخدم لمراقبة المزارع و حراستها، إضافة إلى السكن.
وتبدأ قصة تشييد هذه المعالم الحضارية، من اختيار الموقع المناسب للبناء بواسطة خبراء البناء والعمران ، وتنطلق أعمال التمهيد لوضع أساسات البناء المسمى بــ "الربض" حيث يُحفر بعمق نصف متر أو أكثر حسب طبيعة التربة ثم ترص فيه الحجارة وهي قاعدة ترتكز عليها حيطان البناء، وخلال تلك المرحلة يتم جمع المواد الأساسية للبناء مثل "الطين" و"الحجر" و" الماء" و"التبن" و"الجص" و " المرو" .
ويعمل عدد من أبناء القرية الواحدة لدى معلم البناء الرئيس المعروف بـ " الباني" وهو بمثابة المهندس وصاحب المهمة الأساسية في البناء ووضع المقاسات ويساعده العمال الذين يطلق عليهم " شُقاة" ومفردها " شاقي" ، ويسبق ذلك جلب الحجارة وتكسيرها من الجبال يدويًّا بواسطة عامل متخصص في مقاسات ونوع وصلابة الحجارة وهو " المنظى" الذي يستخدم "المعول" و"الأزميل" الضخم في عمله.
ويتميز النمط العمراني في منطقة عسير بالتنوع ، فقد تجد منزلًا حجريًّا يجاوره آخر من الطين ، وبعض المباني يكون الجزء السلفي مبني بالأحجار والعلوي من الطين والتبن الذي يستخدم في تشييد المباني الطينية ، وهو خليط من بقايا بعض المحاصيل الزراعية مثل الشعير والبر مع الطين والماء ، وهو ما يعزز من متانة البيوت الطينية ويساعدها في مقاومة الظروف الجوية إلى 100 سنة وأكثر .
وبعد الانتهاء من عمليات التشييد الأساسية تبدأ مرحلة التزيين والطلاء من الخارج اعتمادًا على مواد محلية يطلق عليها " القضاض" وهي مادة تستخرج من الحجارة الكلسية تشوى وتطحن مع الماء، وتستخدم طلاء للجدران ، ويكثر استخدام " القضاض " في قنوات تصريف المياه من أجل تصريف مياه الأمطار المتجمعة على سطح المبنى؛ حفاظا عليه من التلف، كما تستخدم في تكسية حيطان الغرف الداخلية بعد خلطها بالصمغ، ومن استخداماته أيضا تكسية المساحات الخارجية المجاورة للشبابيك والأبواب، والأجزاء العلوية للمباني الطينية .
أبها-واس