تغيير المحتوى مطلب ضروري لبقاء الصحف الورقية

تاريخ التعديل
7 سنوات 4 أشهر
تغيير المحتوى مطلب ضروري لبقاء الصحف الورقية

شهدت السنوات الأخيرة انحسارا للصحافة الورقية بعد أن بات شبح الرحيل يهددها في ظل تحديات عدة فرضتها الأزمات المالية والنمو المتزايد للمحتوى الإلكتروني، مما اضطر العديد منها إلى تسريح عامليها وإغلاق الصحيفة بعد عقود من العمل، مثل صحف السفير اللبنانية والتجديد المغربية والفجر التونسية والنادي السعودية، والقائمة تطول.

وذكر مراقبون أن غالبية الصحف اليومية والأسبوعية المطبوعة في الولايات المتحدة تتوقع إيقاف الطباعة يوما ما والتحول إلى نسخ إلكترونية، بينما يصر بعضها على الجمع بين المحتوى المطبوع والإلكتروني لمسايرة متطلبات المرحلة الراهنة.

وفي تقرير موسع لصحيفة الشرق الأوسط، أن «نيويورك تايمز» واكبت التقدم التقني بموقعها، لكنها اختارت الحفاظ على نسختها الورقية التي لا يزال يقرأها الملايين حول العالم، ونقلت عن نائب رئيس قسم الخدمات الورقية لدى «نيويورك تايمز»، رونالد كابوتو، قوله «لن نتخلى عن طبعتنا الورقية في المستقبل القريب، إلا أنني أستطيع تخيل نيويورك تايمز إلكترونية يوما ما»، محذرا في الوقت نفسه من انقراض الصحف المحلية في أميركا، مشيرا إلى أن العديد منها يصارع للبقاء وبعضها أسدل الستار على نسخه الورقية. 

 

الصحافة المصرية

وعلى المستوى العربي، أفاد جهاز الإحصاء الحكومي في مصر بأنه تم إغلاق نحو 50% من الصحف المحافظة على الصدور خلال خمس سنوات فقط، بالإضافة إلى تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يوميا، إلى 400 ألف نسخة في 2017، وفقا لتقديرات خبراء التوزيع.

وأدت الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، إلى إغلاق صحف يومية وأسبوعية، وتسريح عدد كبير من الصحافيين، بعد عزوف آلاف المواطنين عن شراء الصحف لارتفاع أسعارها بنسبة 100% خلال خمس سنوات، بالتوازي مع زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وخصوصا بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري.

السعودية

وفي السعودية، ذكر رئيس تحرير صحيفة «المدينة» الدكتور فهد آل عقران، أن الصحافة الورقية في السعودية صامدة، لكنها تعاني.

وقال «لدينا نحو 10 مؤسسات، والصحف الورقية تمثل جزءا منها، لكن لهذه المؤسسات منصات إعلامية أخرى»، مشيرا إلى أن الصحافة السعودية بحاجة إلى دعم حقيقي وإعادة النظر فيها.

وأضاف آل عقران أن الصحافة الورقية هي منبع الإعلاميين، والصحافيون هم المتسيدون للمشهد الإعلامي، إن كان في شبكات التواصل الاجتماعي أو التلفزيون أو غير ذلك، لافتا إلى أن رأسمال الصحف السعودية يقارب مليار ريال (260 مليون دولار)، مقدرا أن الصحف تضم بين ثلاثة آلاف و500 إلى أربعة آلاف عامل، ما بين صحافي ومصور وعمال مطابع وغيرهم.

من جهته، أشار أستاذ الإعلام والصحافة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، الأستاذ الدكتور فهد العسكر، إلى أن الصحف السعودية ليست بمنأى عما يحدث في الصحافة عالميا، وقال «عليها أن توجد حلولا جذرية كي لا تواجه المصير القاسي الذي عصف بالصحافة الورقية عالميا، سواء كانت هذه الحلول من قبل المؤسسات نفسها أو من الدولة».

 

لبنان 

وأشارت «الشرق الأوسط» إلى أن لبنان الذي كان رائد الصحافة في المنطقة منذ القرن 19، وأصدر في عام 1870 وحده سبع جرائد ومجلات، يكاد يودع اليوم عهد الصحافة الورقية. وفي الوقت الحالي هناك ما يقارب 11 صحيفة يومية لبنانية، بعد أن أغلقت «السفير» أبوابها، بينها صحيفة فرنسية وأخرى إنجليزية والباقي باللغة العربية، وغالبيتها موظفوها مهددون بالتسريح أو هم لا يتقاضون رواتبهم بانتظام.

وتتضارب الأرقام بشأن عدد النسخ التي تطبعها الصحف اللبنانية مجتمعة، لكنها تتراوح بحسب التقديرات بين 35 ألف نسخة و 50 ألف نسخة في أحسن الأحوال، لا يُباع منها مع الاشتراكات والمسايرات والمساعدات غير المباشرة أكثر من 10 آلاف نسخة، وهذا لا يكفي لإعالة المطبوعات، التي تحتاج في هذه الحالة إلى الإعلان أكثر من أي وقت مضى. 

كما أن عددا كبيرا من الصحافيين المخضرمين في لبنان باتوا بلا عمل كليا، أو ذهبوا إلى مهن موازية.

 

حلول مقترحة

يقول الكاتب الصحفي المغربي، خالد بن الشريف، إن معظم خبراء الصحافة لا يؤمنون بنظرية الانقراض الحتمي للجرائد الورقية، فلكل وسيلة إعلامية مكانتها المميزة عند الجمهور؛ ولهذا يوصون بإيجاد «صحافة ورقية جديدة بديلة»، تختلف جذريا عن الموجودة حاليا، ومن أجل ذلك يُوصون بأمور منها:

أولا: تغيير نوعية المحتوى: إذا كانت «الأخبار» هي عماد صفحات الصحف الورقية، فإن هذا الأمر لم يعد ممكنا اليوم، لأن التركيز على الأخبار هو رهان خاسر مسبقا أمام الصحافة الإلكترونية وصحافة المواطنة، التي تتميز بالتفاعل الفوري مع الحدث والسرعة والتحيين على مدار اليوم، وحتى الموجة الجديدة من الصحف الرقمية نفسها بدأت تبتعد عن هذا الاتجاه التقليدي، في ظل زحمة المواقع الإخبارية، وترسم لنفسها طريقا خاصا.

ويعد تغيير نوعية محتوى الصحف الورقية حلا لإنقاذها، بتركيز الصحيفة على التحقيقات الاستقصائية والتقارير المطولة والمواد المعرفية.

ثانيا: التفكير في مصادر جديدة للتمويل: الصحيفة الورقية هي قبل كل شيء مقاولة، فلا يمكن أن تستمر دون مال، ما دامت لا تتلقى الدعم من جهة معينة؛ ولذلك فإن عقلية المقاول ينبغي أن تحضر أيضا لدى رؤساء ومديري الصحف في إدارتهم، من أجل الوصول إلى حلول مبتكرة من شأنها تحصيل عائدات كافية لاستمرار الجريدة، لاسيما أن العامل الاقتصادي هو السبب الرئيس في توقف الصحف عن الصدور.

وبذلك تستطيع الصحف الورقية أن تجاري الواقع الإعلامي الراهن الذي فرضته سرعة الوسائط الإلكترونية وصحافة المواطن، لأن التعمق والتخصص في مجالات بعينها يعد ميزة تكفل للصحف إقبالا من المهتمين والباحثين عن المعلومات المستفيضة.