في الندوة الحوارية التي شهدها المؤتمر الدولي "الدراسات الشرعية وسؤال التنمية في أفق تحقيق رؤية 2030"، الذي تنظمه الجامعة ممثلةً في كلية الشريعة وأصول الدين بمناسبة مرور خمسين عامًا على تأسيسها، انعقدت ضمن أعمال المؤتمر ندوة حوارية تحت عنوان "الخصوصية الدافعة والتنمية"؛ أدارها وكيل كلية الشريعة وأصول الدين للبحث والدراسات العليا رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور أحمد بن عبدالله الحصيني، وشهدت مشاركة بارزة من معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة.
واستعرض رئيس الجلسة جزءًا من السيرة الذاتية للمتحدث الذي تدرج في رحلته الأكاديمية حتى حصل على البكالوريوس في اللغة العربية، والماجستير والدكتوراه في المكتبات والمعلومات، وتقلد العديد من المناصب البارزة منها وزير العمل والشؤون الاجتماعية وعضو مجلس الشورى، وهو حاليًّا رئيس مجلس إدارة جمعية الدار الموسوعة الخيرية ولديه العديد من الكتب والمؤلفات.
وخلال الجلسة، تناول الدكتور النملة مفهوم "الخصوصية الدافعة والتنمية"، حيث أوضح أن المملكة العربية السعودية تتميز بوجود خصوصية دافعة تتميز بعناصرها التي تجعلها قادرة على تقديم نموذج مميز للعالم؛ وأشار إلى أن هذه الخصوصية الدافعة تتجلى في عدة عناصر، من بينها وجود الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والعَلَم الوطني الذي يحمل راية التوحيد، والقيادة التي تُعرف بخدمة الحرمين الشريفين؛ حيث تسهم كل هذه العوامل في تعزيز مكانة المملكة على الساحة العالمية.
وأكد الدكتور النملة أن للدراسات الشرعية دورًا حيويًّا في سياق التنمية، حيث شدد على أن هناك اعتقادًا شائعًا بأن هذه الدراسات منعزلة عن مجالات التنمية وقد تركز على الجوانب الفقهية والعقدية؛ وهذا التصور خاطئ، مشيرًا إلى أن الدراسات الشرعية يجب أن تزيل هذا الانطباع السلبي من خلال تكاملها مع مفاهيم التنمية، أو بالعكس من خلال تطويع التنمية لتتوافق مع القيم الإسلامية.
وأشار الدكتور النملة إلى أن هناك تيارات تنموية مختلفة، ومن الضروري أن تساهم الدراسات الشرعية في هذا السياق من خلال الاندماج العملي مع الواقع، وليس فقط على مستوى أقسام الثقافة الإسلامية، بل في كافة التخصصات الأكاديمية؛ وأكد على ضرورة تأصيل العلوم الإنسانية بما يتماشى مع القيم الإسلامية وعدم الاعتماد على النظريات المستوردة التي قد لا تتوافق مع طبيعة المجتمع الإسلامي.
ومن بين القضايا التي تناولها الدكتور النملة خلال الندوة موضوع القلق الروحي المنتشر عالميًّا والذي يرتبط بموجة الإلحاد؛ وأشار إلى أن عدد الملحدين في العالم يقدر بحوالي 1.3 مليار شخص، مؤكدًا على ضرورة أن تتناول المؤسسات الأكاديمية والدراسات الإسلامية هذه الظاهرة بجدية، خصوصًا أن الإلحاد العربي غالبًا ما يكون سطحيًّا ويستند إلى الشهوات وليس إلى قناعات فلسفية عميقة.
وفي ختام الندوة شدد الدكتور النملة على أهمية دور العلماء والدراسات الشرعية في مواجهة تحديات العصر من خلال تقديم نماذج فكرية تعزز من روح التنمية المستدامة وتساهم في مواجهة الظواهر السلبية مثل الإلحاد؛ كما أشار إلى ضرورة الحفاظ على الفهم الصحيح والمتين للدين، وتنقيته من أي هشاشة قد تؤدي إلى ظهور جماعات أو حركات تسيء فهم الدين وتختزله في قضايا محددة مثل تسييس الدين.
وأوضح الدكتور النملة أن الدين والسياسة مرتبطان، لكن السياسة هي وسيلة وليست غاية، ولا ينبغي أن يتم تسييس الدين أو استخدامه كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية؛ كما أشار إلى أن المجتمعات المسلمة بقيمها العقدية والسلوكية تستعصي على التيارات التي تحاول فرض مفاهيم جديدة مثل العولمة الثقافية أو المثلية؛ وأكد على أن هذه التيارات تتعارض مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وأنها تيارات زائلة بإذن الله؛ مضيفًا أن المجتمعات المسلمة بحاجة إلى التركيز على هويتها العقدية، وعلى دور العلماء في تعزيز هذا الفهم المتين للدين، مما يساعد في التصدي لهذه التحديات ويضمن الثبات على الفطرة السليمة.
وفي ختام الجلسة، تفاعل الحضور من الأكاديميين والباحثين مع ما قدمه الدكتور النملة من رؤى وأفكار، مؤكدين على أهمية تكامل الدراسات الشرعية مع مفاهيم التنمية لتحقيق الأهداف الطموحة لرؤية المملكة 2030.
منصور كويع