في الطريق إلى الحد الجنوبي

تاريخ التعديل
6 سنوات 5 أشهر
في الطريق إلى الحد الجنوبي

في الملحق الخاص هذا، عن زيارتها للحد الجنوبي، حرصت «آفاق» على أن يتضمن الملف أكبر كم ممكن من الجوانب التي تغطي جهود وتضحيات أبطال الجيش السعودي في الدفاع عن الوطن وحمايته بأرواحهم وعرقهم وكفائتهم التي لا تقف عند حدود؛ وستجدون في الصفحات التالية، حوارا مع قائد حرس الحدود الذي أكرمنا بوده، ولقاءات مع ضباط وأفراد حرس الحدود الأبطال، وتعريفا بدورهم وبالمهام المناطة بهم؛ كما حرصنا كل الحرص على حضور موظفي وطلاب وطالبات جامعة الملك خالد في هذا العدد بآرائهم وأقواهم. إن أقل ما نقدمه لوطننا الغالي ولرجال أمننا الأبطال، على اختلاف تصنيفاتهم ومواقعهم، هو الدعوات الصادقة والمشاعر المفعمة بالحب والود والعرفان.. وكل الرجاء لهذا الوطن بالنصر والتمكين.

ملحق خاص من إعداد مشهور العمري وفريق تحرير «آفاق»، وتصوير: محمد فائع

كان كحلما.. منذ بداية «عاصفة الحزم» أن نقف هناك. من تلك النقطة الأشد أمانا، عند الخط الاول لحدودنا الجنوبية. حلم تحقق بعد جهود مشكورة وموفقة.
وعند طرحك للحلم يجب أن تتسلح بالأمل وأن تسعي لتحقيق ذلك الحلك بقوة وإصرار.
تستمد حلمك وتحقيقه من الوجوه التي ساعدتك ومن الكلمات التي أحاطت بك.. ومن تلك الأيادي التي صافحتك وشدت من عزمك.
هكذا أتت موافقة حرس الحدود على الزيارة.. وكأي جهد، فلا بد تواجهه عقبات، ولكننا تجاوزناها ولم نقف عندها، أو بالمعنى الاصح لم تعقنا لأن طريق تحقيق الحلم إن لم يكن فيه عقبات فهو ليس حلما.
في ذاك الصباح الفاخر الذي لاينسى، كميلاد أمة أو تحقق نصر وشعور عزة، أرادنا في فريق «آفاق» (مشهور العمري والمصور محمد فائع) أن تكون رحلتنا إستثنائية، وهذا ما كان لها، ففي تمام الساعة التاسعة صباحا، وصلنا برفقة فرقة حرس الحدود التي غادرنا معها من أبها إلى مقر القيادة بظهران الجنوب.
دعونا نحكي لكم عن ظهران الجنوب، والحياة في منطقة فاصلة أو قريبة من الحد: مظاهر الحياة هناك  مستمرة وكأي مدينة في المملكة؛  الأمن والأمان يعمها وكذلك ومشاعر رجالها الصلبة والقوية؛ فهذا طفل يهم بمغادرة مدرسته، وهذه فتاة تدخل لجامعتها، وهذا طبيب يرتشف قهوته متوجها إلى مستشفاه، وهذا جندي المرور ينظم السير، وهكذا.
هل هذه الظهران؟ قلت كذلك.هذه المنطقة الفاصلة بين جنود الحق وبين المغسولة أدمغتهم بالباطل والكذب والزور.
آه ماجمل هذا الصباح الذي يمدنا بأشعة القوة والحق والنصر.
تذكرت أن بلادنا تقف في بقعة مضطربة، يراد لها دوما أن تكون كذلك.
تذكرت كم يراد لنا من قبل الاعداء أن نقف جهلة.
تذكرت قادة هذه البلاد العظماء ونصرتهم للحق أينا كان.
وفي هذه اللحظة التي أقف فيها في ظهران الجنوب، هناك معتمر يطوف حول الكعبة سبعا، وزائر لمسجد رسول الله باكيا.
نعود إلى مقر القيادة في جولة ترحيبية ولقاء حواري مع القائد البطل الذي فرض إحترامه على الجميع. وكعادة الرجال، ترحيب ودعوات للغداء، لكن هناك مايشغلنا: الخط الاول.
جولة إخرى على مقر القيادة مع الشرح ومن ثم أتى الامر: بعد قليل التوجه للخط الحدودي الفاصل، بمعنى دخولنا لمنطقة الحرب، وهنا تتجدد الحكاية.
كنا قد تعاهدنا قبل مغادرتنا من أبها، كفريق لصحيفة «آفاق»، أن نحقق هذه المهمة كما رسمنا لها، وأن نبذل قصارى الجهد لتحقيق حلمنا وإرادتنا.
في الطريق من القيادة إلى منفذ علب،  هذه القرى التي غادرها أهلها:  فهذا الطريق الذي طالما حمل الأحلام والأماني، وهذه الحديقة التي كانت المتنفس لأهل المكان والتي لم تسلم من يد الغدر: طلقات الموت شاهدة على أبوابها.
وهذه الجبال تحكي قصص صامتة وصامدة، تحكي عن رجال ضحوا بعوائلهم هناك في البعيد لينعم الجميع بالامن والامان؛ رجال آمنوا بالمبدأ والقضية الحقيقة، فقالوا جميعا إن هذا الوطن عصي على الخيانة.
وصلنا عند النقاط التفتيشية،  جنود يرحبون وآخرون يدعون لتناول الغداء؛ مشاعر طيبة وشجاعة، قوة وألف قوة، وعظمة وعزيمة: إن هذا الوطن لايقهر.
أستمر طريقنا حتى وصلنا لمنفذ علب، وعند النقاط ألتقينا بالجنود على الخط الحدودي الاول، أي خط النار. نحن هنا في مواجهة العدو الان. كان ذلك في تمام منتصف النهار.
ماذا يعني ذلك؟ إنه وقت خروج الأطفال من مدارسهم عائدين إلى منازلهم، ووقت الاستعداد للصلاة، بمعنى الراحة قليلا، هناك في المناطق البعيدة بالقرب من الشمس، وعلى الجبال الصلبة، هولاء الجنود الذين رأيت، هم سبب الاستقرار والعزيمة.
خبرنا عن مشاعرك: يتجدد الوصف: ولاء للوطن، دفاع عن الدين، شكر للقيادة، وتحد للعدو.
في هذه النقطة الاولى سمعنا أصوات إطلاق النار: لا عليكم، هذا يحدث بين الحين والاخر، نحن نعاملهم كأطفال أمتلكوا السلاح.
ودعنا هذه النقطة الاولى، وفي قلبي كل الشعور بالعظمة تجاه أبطالنا الأشاوس. أنتقلنا بعدها للثانية ثم للثالثة.
مشاعر الجنود الأخوية مترابطة ومتكاملة. حان وقت صلاة الظهر، تنقسم المجموعة إلى مجموعتين واحدة تصلي والثانية تراقب وتحرس، وهكذا.
الكل يتسابق لنقل مشاعره. الكل يثبت ولائه وطاعته، لا أحد يتردد، الكل عظيم هناك. الجبال تشبه عظمتهم لا العكس.
بعد انتهاء جولتنا الحدوية للخط الاول، عدنا في طريقنا لبعض النقاط التفتشية وألتقينا بحراسها، وتناولنا الشاي تلبية لإصرارهم؛  أحاديث فكاهية وإخرى جادة، ويتجدد الإصرار على تناول طعام الغداء.
لازال قلبي يرف ويحن ويفتخر بهولاء الابطال أبد وطول الدهر.
أشارت الساعة إلى الثانية والنصف؛ فعدنا إلى مقر القيادة،  حيث تناولنا طعام الغداء مع ضباط وأفراد قيادة حرس الحدود بظهران الجنوب، وبعد الوداع، وفي طريقنا لأبها تتكرر أمامي مشاهد الحياة: هل هذه فعلا هي ظهران الجنوب، المدينة التي تفصل بينها وبين الحد والمواجهة وإطلاق النار، دقائق معدودة؟
نعم إنها هي. أستمرت الحياة كالمعتاد: الاطفال وضحكاتهم، الرجال ومهامهم، والنساء ورحمتهم.
بين ظهران وأبها مسافة طويلة،  قضيتها في التذكر والافتخار بهذه الرحلة الكبيرة. قضيتها وأنا أقرأ المسافات.
في الحد حياة إخرى، حياة أبطال سطروا للمجد حكايات، ويسطرون؛ وبنوا للعز رايات ويبنون؛ ومهدوا للاستقرار نورا ويفعلون؛ بين روح الفكاهة وعظمة الرجال جمعوا، فما استكانوا ولا خسروا ولا خافوا. كانوا عظماء ولازالوا.
نعم، في قلوبهم حزن على رفاقهم الشهداء: كان هنا معنا ثم رحل؛ أشار إلى مكانه. غصة في قلبه عندما تذكر رفيقه الشهيد.
خسرنا الكثير من الشهداء في هذه الحرب، لكنهم أرتفعوا للسماء،  هناك حيث المكان يليق بهم أكثر. أرتفعت أرواحهم للسحاب الابيض ورضا الرب. هناك الشهداء دفاع عن الدين والوطن وعز الاسلام.
عند عودتنا، بعد إنتهاء جولتنا في الخامسة، ودّعنا فريق حرس الحدود المرافق بكل حب وشكر. هذا الفريق الذي تحمل الكثير من المصاعب تجاهنا وحرص على حمايتنا. فريق محمل بالعظمة والصبر.
أشغّل مذياع سيارتي في الخامسة والربع، فأستمع لطلال مداح وهو يغني «وطني الحبيب وهل أحب سواه».
تذكرت: ستبقى راية الحق منصورة ما دام هؤلاء الرجال هناك. زاد قلبي طمأنينية بنصرة الله لنا. ضباط وجنود كلهم كالاخوة والهم واحد: «ننصر الدين والوطن، وسنبقى مابقي الحق موجودا».
هكذا هي رحلتنا ونعلم بأن مقصرين، وهكذا كنا، وأقل من الواقع كانت الصورة.
فشكرا لكل من أسهم في إنجاز هذه التغطية، وشكرا عميقا لتعاون رجال حرس الحدود مع فريق «آفاق».
السلام والرحمة على الشهداء، والعز والنصر للأبطال، والبقاء لهذا الوطن وشعبه المعطاء.
 

الحد