الإبداع والألم.. فدوى طوقان أنموذجا

قسم اللغة العربية بنات
تاريخ التعديل
5 سنوات 6 أشهر

تأبى الحروف وتستعصي معانيها
حتى ذكرتك فانهالت قوافيها
فكيف يجذب حرف أنت ملهمه
وكيف تظمأ روح أنت ساقيها
حقائق الكون لم تدرك طلاسمها
لولا الحديث ولم تكشف خوافيها

يولد الإبداع من رحم الألم، فعلى نغمات البرد القارص، وألحان الأنين الموجعة، تثار المشاعر وتهز، وتأسر الأسماع، وتمس أوتار القلوب.
عندما نظمت الشاعرة فدوى طوقان دواوينها، كانت تعبر عن مراحل حياتها كلها، ولا أبالغ إن قلت أن فدوى قد تكون أيا منا، من «وحدي مع الأيام» إلى «اللحن الأخير» الذي ظلت تصدح به بعد أن رفَ في قلبها هاجس الحب، الذي يأتي دائما إلى مرابع ذكرياتها، وظل يراوح تجربتها الشعرية إلى آخر عهد لها بالدنيا.
قد يحدث موقف مؤلم، طالما أن الإبداع ابن الألم، يستثير الذائقة ويولد الكلمات في هذا الليل الساكن، وفدوى التي تسكن داخلي تحاول أن تولد الكلمات، لكني أجدها تجهض مني لسبب أو لآخر، لكن ما يثير قريحتي الإرادة القوية الحديدية التي انتقلت لي من تجارب الحياة أولا، ومن فدوى ثانيا، التي لم تستسلم للخذلان، ووقفت أمام القدر بتحدياته حتى تمكنت من فتح الباب على مصراعيه. ويستحضرني هنا إرادة ذلك الشاعر العذري الذي تدفعه مودته إلى الوفاء لمن يحب، وترويض النفس على الصبر، مؤمنا بالبيت القائل:

وقد يجمع الله الحبيبين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا

وهذا معناه إذا:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا
نحن الرياح ونحن البحر والسفن
إن الذي يرتجي شيئا بهمته
يلقاه لو حاربته الإنس والجن
فاقصد إلى قمم الأشياء تدركها
تجري الرياح كما رادت لها السفن

هذه هي الإرادة التي لا تنثني وتعلو على كل شيء حتى الدهر، فلا شيء يأتي دون ألم ومخاض.

 

فدوى طوقان
فدوى طوقان (1917 - 2003) شاعرة وأديبة عربية فلسطينية، وهي من أهم شعراء الأرض المحتلة وأدباؤها في القرن العشرين. قال عنها الراحل محمود درويش بأنها أم الشعر الفلسطيني وشاعرة المقاومة الفلسطينية. لها 1220 قصيدة، وعدد من الدواوين.
كانت ذات موهبة فذة ولغة متمكنة رغم عدم إكمالها سوى تعليمها الابتدائي، لكنها عملت على تثقيف نفسها بنفسها وعلى يد أخيها ابراهيم طوقان شاعر فلسطين الكبير، الذي عمل على صقل موهبتها، فتطور شعرها كثيرا، بداية من الشعر العمودي الذي امتاز بالرومانسية، ثم الانتقال للواقعية والرمزية في الشعر الحر حتى بدأت أشعارها تأخذ منوال القصيدة التقليدية.