ج: جوال

تاريخ التعديل
5 سنوات شهران

في المحاضرة: أستاذتها أمامها تشرح، تكتب، تعرض، تطبّق ،تغدق عليها من فيض العلم وتسعى جاهدة لتغرس فيها ثمرة المعرفة وهي في زاوية نائية في القاعة عاكفة على «جوالها» تتابع تفاهة مشاهير السناب. 
في العمل: زميلتها في هم وحيرة وقلق تشاركها همومها ومخاوفها وتستشيرها في أهم قرارات حياتها وهي مطأطئة رأسها على «جوالها»تضحك تارة وتعلق تارة على فيديوهات كوميدية في اليوتيوب.
في الاجتماع: مناقشات، قرارات، آراء، محاور، مسؤوليات، آذان صاغية واهتمامات مشتركة وهي في عالم «جوالها» اتصالات ورسائل ورنين وطنين لا يتوقف.
في السيارة: مشوار طويل ومسافة بعيدة ووقت كاف لاستغفار وتسبيح أو مراجعة درس وتحضير مادة وهي لاهية بـ «جوالها»، سماعات في الأذن وموسيقى.
في المنزل: والداها بجانبها يحادثانها ويسألانها عن دراستها ويفضفضان عما في قلوبهما لها وينظران إليها بكل حب وحنين علها تحتويهما، وهي منهمكة في «جوالها» تراسل صويحباتها على «الواتس»
في الزيارات: قلوب متحابة، صداقات مخلصة، أرحام متواصلة، مشاعر صادقة، لحظات لا تعوض ومناسبات لا تتكرر وهي وحيدة وبعيدة مع «جوالها» تحترف صورة لترفعها في حسابها على «الانستغرام».
في المطار.. في المستشفى.. في المطعم.. في المقهى.. في الجامعة.. في العمل.. في المسجد وفي كل مكان، أصبح الاستخدام الخاطئ للجوال وسيلة إيذاء وإحراج، وأداة تدمير الأخلاقيات وقناة لهدم العلاقات وتفكيك الأواصر، وتضييع الوقت وإشغال النفس في الملهيات وما لا فائدة فيه. وأصبح في متناول الجميع صغارا وكبارا ذكورا وإناثا بانيا حواجز نفسية واجتماعية واخلاقية دقت أجراس الخطر على الدين والعلم والمجتمع.
الجوال والإنترنت وكل تقنية واختراع نعمة ومنحة إلهية قادت أمما وأقوام إلى آفاق التطور والمعرفة وفتحت دروبا شاسعة للعلم والدعوة والتواصل. فمن المؤسف أن نكون نحن وصمة عار على جبين التقنية وان توسم مجتمعاتنا بانعدام مسؤوليتها وذوقها في التعامل مع أجهزة الاتصال ووسائل التواصل.
ليس مهما أن تكون «جوالاتنا» باهظة الثمن أنيقة المظهر وحديثة التقنية. الأهم أن تعكس أخلاقنا وقيمنا، ذوقنا ومسؤوليتنا، ثقافتنا ورُقيّنا. وألا تُنسينا أبدا «ثم لتسألن يومئذ عن النّعيم»