من كسر المزهرية؟!

رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
تاريخ التعديل
6 سنوات 3 أشهر

سافر مبتعث عربي مسلم للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكالعادة سكن مع عائلة أمريكية مكونة من أب وأم وبنت لا تتجاوز العشر سنوات. عاد صاحبنا يوما من الأيام للبيت فوجد البنت الصغيرة تبكي، وهي خائفة ، سألها عن سبب بكائها؟ فقالت: لقد أسقطت المزهرية من على الطاولة وكسرتها، فقال صاحبنا بشهامته ونخوته العربية: لا عليك، إذا جاء أبواك فقولي لهم أنا من كسرها وليس أنت.
فرحت الطفلة بهذا الحل المريح لها، وبعد سويعات توقفت عربة الأب ونزل منها وبصحبته زوجته فرأيا المزهرية مهشمة على الأرض، سأل الرجل ابنته: من كسر المزهرية؟ فقالت: فلان (للعربي المسلم) فسأله هل كسرت المزهريّة؟ فقال نعم حدثَ ذلك بالخطأ، فقال الرّجل: إذا عليك أن تشتري غيرها أو تدفع قيمتها، فقال الشاب العربي: لا بأس.
فدفع القيمة، وانتهى الأمر، وتمر الأيام بعد الأيام، وبعد حوالي الأسبوعين تشعر الفتاة الصغيرة بتأنيب الضمير من هذه الكذبة، ولأن أبويها قد عوداها على الصدق وليس على الكذب، فما تحملت الطفلة الاستمرار في الكذب، فاعترفت للوالدين أنها هي من كسر المزهرية، وليس الضيف العربي المسلم، فاستشاط الأبوان غضبا على هذا العربي المسلم، وتلاسنا معه، ووصل الأمر أن رفع الأب عليه قضية في المحكمة، ووقفا أمام القاضي فقال الرجل: سيدي القاضي «لقد قمنا بتعليم ابنتنا الصدق طيلة عشر سنوات، وهذا الضيف له عندنا ثلاثة أشهر فقط، هدم فيها ما بنيناه طيلة السنوات العشر»! ولأن صاحبنا الشهم لا يجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، وليس معه محام يدافع عنه ويبين أن ما قام به كان من باب الشهامة لدفع الأذى المتوقع عن طفلة صغيرة، فما تكلم بكلمة في المحكمة مما اضطر القاضي إلى إصدار الحكم عليه بخروجه من البيت، والتعميم عليه ألا يستضاف عند أي عائلة في تلك الولاية.
هل هي شهامة؟ أم تربية أسرية؟ لماذا لم يقل مثلا أسقطت الطفلةُ المزهرية وأنا من سيتحمل عنها التبعات؟ فيكون صادقا، وشهما نبيلا، لماذا لا نتعلم نحن المسلمون الصدق ونعلمه لأنبائنا من الصغرِ وهو من ديننا، ألم يقل الله تعالى «يا أيها الذين آَمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» أليس الصدق يهدي إلى البرِ، والبر يهدي إلى الجنة؟ كما قال صلى الله عليه وسلم، لماذا يعتمد أطفالنا الكذب وربما يقسمون وهم كاذبون ليبرؤوا لأنفسهم ما فعلوه؟
أليست تربية أكثرنا الخاطئة هي السبب؟ يا ترى لو أن طفلا من أطفالنا أخطأ واعترف بخطئه، هل كنا سنشجع فيه هذا الخلق الديني؟ أم كنا سنوجعه ضربا، ونسمعه شتما؟ قل لي بربك كيف تريد من طفل يدرك فداحة العقوبة التي سينالها لو اعترف أنه هو قد أخطأ؟
لماذا يربِي الغرب أبناءهم على الصدق وليس من دينهم؟ ونربيهم على الكذب بأفعالنا وليس بأقوالنا والصدق من ديننا!
ألا يوجد شرخ كبير، وبون شاسع بين النظرية والتطبيق؟ تنظر فتظن أننا بين الصحابة رضي الله عنهم، ونتعامل فتعتقد أننا في قريش. إنها الازدواجية بين النظرية والتطبيق ليس في الصدق فحسب، بل في كل شيء، قلها في الغيبة والنميمة، قلها في الزور والبهتان، في الرشوة والابتزاز، في الغش والاحتكار، في الغضب وكظم الغيظ، في الوعد وخلفه، في الإسراف والتبذير، قلها في التطرف، في الأمانة والخيانة، فيما شئت أن تقلها؛ ولكن قل في آخرها: لا حول ولا قوة إلا بالله.