محمد إبراهيم
انتشرت بين مجتمع الطلاب ظاهرة سلبية متمثلة في استكتابهم للبحوث المطلوبة منهم، وانتحالها، ويشعر بانتشار هذه الظاهرة كل من يشرف على البحوث، حيث أنه الشخص الذي يعرف جيدا مستوى طلابه، ومدى مقدرتهم على تقديم مثل هذا البحث.
ونظرا لوجود هذه الظاهرة بشكل ملفت، ومع تعدد أسباب ومشاكل مثل هذه البحوث المنتحلة، قمنا بتسليط الضوء على هذا الموضوع المهم من خلال الحديث مع أ. د. محمد جميل المصطفى، الأستاذ بقسم الفقه في كلية الشريعة وأصول الدين بالجامعة الذي تحدث لـ «آفاق» عن أسباب حدوث هذه الظاهرة وسبل علاجها.
حدثنا عن أسباب تفشي هذه الظاهرة الخطيرة؟
حقيقة؛ أن بعض الطلاب يشعرون أن ما يطلب منهم هو فوق طاقتهم، وفوق إمكانياتهم، فهم لم يتقنوا بعد، الأساسيات أو علوم الآلة، وهذا يجعلهم يتوجهون إلى من يكتب لهم البحث أو يقوم بعمل مشابه للحصول على ما طلب منهم تقديمه.
ولو أن الطالب عاد للسؤال من أستاذه عن بعض ما يشكل عليه لوجد أنه يستطيع هو بنفسه كتابة بحثه وتحقيق الهدف الذي من وراءه طلب منه عمل بحث، إلا أنه لا يعود للسؤال مرة أخرى فهو بحسب ظنه قد أصبح طالبا جامعيا لا يليق به العودة والسؤال، فيلجأ إلى من يكفيه عناء البحث، ويختصر عليه الطريق، فيكتب له شيئا، أو يلخص له كتابا في الموضوع!
وهناك من الطلاب من يحضر بنفسُه بحثا جاهزا، كتبه غيره، في نفس الموضوع فيضع عليه اسمه.
كما أننا لا نغفل، أحيانا، ضعف الوازع الديني عند ذلك الباحث، الذي لم ينشأ على مراقبة الله والصدق والأمانة، بالإضافة إلى وجود بعض ضعاف النفوس الذين يعرضون خدماتهم على الطلاب صباح مساء، بل نصبوا لوحات تشير إلى استعداداتهم وإمكاناتهم، وسرعة إنجازهم للبحوث، وذلك على مرأى ومسمع من الجميع.
وهنا لا نغفل دور المجتمع الذي يجب عليه رفض مثل هذا العمل غير الأخلاقي؛ بل عليهم محاربته ومقاطعته حتى لا تتفشى مثل هذه الظواهر السلبية.
ولا ننسى أنه يجب على الأساتذة عدم إقحام الطالب في بحث يفوق طاقته ومستواه، الأمر الذي يجعله يلجأ للآخرين الذين يستقبلونه لترويج بضاعتهم، فهذا عمل خطأ، فالله تعالى لم يكلف الإنسان فوق طاقته، حيث قال سبحانه «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» ولم يلزم الإنسان أن يجهد نفسه كي يأتي بأكثر من استطاعته، فما ينبغي أن يطلب من المبتدئ عمل المتبحر، ولا من المتدرب عمل المدرب، ولا من طالب العلم عمل العالم المجتهد.
ماهي الآثار التي تتركها ظاهرة استكتاب البحوث لدى الطلاب وما مخاطرها؟
لها آثار ضارة ومخاطر كبيرة على الشخص المنتحل، وعلى المجتمع:
أولا: آثارها على المُنْتَحِل:
• ضعف الثقة بالنفس.
• الاضطراب أمام العلماء وعند مواجهة المشكلات.
• اهتزاز الشخصية أمام الطلاب إن كان معلما.
• ذلته؛ خوفا من انكشاف أمره.
• عدم ثقة الناس به وبما يقول؛ إذا علموا طريقة نجاحه، فلا يريدونه مدرسا لأطفالهم أو مدارسهم ولا طبيبا معالجا لأبدانهم، ولا عاملا عندهم؛ لكذبه وخيانته، وعدم وجود ما يؤكد توبته أو استقامته أو جدارته.
ثانيا: آثار جريمة انتحال البحوث على المجتمع:
• رفع الجهال إلى سدة العلماء، والله تعالى لم يساو بين العلماء والجهال، فقال سبحانه «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون».
• انتشار التزوير والظلم؛ فمن يدفع أكثر يستطيع أن يأتي بأحسن البحوث؛ حيث أصبحت جودة البحوث حسب أسعارها، حسب حجم البحث وعمقه وإتقانه ومدة إنجازه.
• انتشار الجهل، بسبب اعتماد الطلبة والناس على حفنة من الغشاشين؛ الذين امتهنوا كتابة البحوث، وبيعها.
• ضياع الأموال في غير فائدة.
• فساد الأخلاق وضياع الذمم.
هل تلمس هذه الظاهرة بشكل أكبر عند طلاب البكالوريوس أم طلاب الدراسات العليا؟
هذه الظاهرة تبدو بشكل أكبر عند بعض طلاب البكالوريوس؛ وبعض طلاب الدراسات العليا غير بريئين أيضا.
كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة؟
يمكن معالجة هذه الظاهرة بما يلي:
• تفعيل دور الإشراف العلمي بين الباحث والمشرف، بحضور الساعات المكتبية مع المشرف والاستفادة من توجيهاته.
• تزويد المشرفين ببرامج كشف السرقات العلمية
• تقوية الوازع الديني لدى الباحثين
• رفض البحوث المسروقة والمنتحلة، وسحب الشهادات ممن حصل على درجة علمية بالغش والتزوير.
• القضاء على المراكز التي تبيع مثل هذه الأبحاث على الطلاب مجاهرة.
فما هو دور الجامعات في القضاء على مثل هذه المراكز؟
على المسؤولين عن البحث العلمي، في الجامعة وغيرها متابعة أماكن الغش وتزوير البحوث، ومعاقبة المتسببين فيها بالعقوبات التي يراها ولي الأمر حتى يمنع تكرار تلك الأفعال.
هل ترى أن سبب هذه الظاهرة هو ضعف المقررات الدراسية التي تشرح للطالب طرق البحث؟
المقررات التي تدرس لا بأس بها عندما تتوفر البيئة العلمية المساعدة، وتجد الطالب الحريص على البحث وكسب المهارات.
أ. د. محمد جميل محمد المصطفى
• ولد عام 1952.
• تخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 1973.
• حصل على دبلوم تأهيل تربوي من كلية التربية، في جامعة دمشق عام 1974.
• حصل على شهادة الماجستير في الفقه الإسلامي المقارن، من كلية الشريعة والقانون بالأزهر 1979.
• حصل على دكتوراه في الفقه الإسلامي المقارن، عام 1990.
• تولى عددا من المناصب وله عدد كبير من الأبحاث والدراسات أثرى بها المكتبة الإسلامية.