تاريخ التعديل
5 سنوات 10 أشهر
د. إبراهيم أبو طالب: تخصص اللغة العربية يأتي في ذيل قائمة اهتمام الطلاب

أسامة مشعل

بين أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية العلوم الإنسانية بالجامعة، الدكتور إبراهيم أبو طالب في حواره مع «آفاق» أن لغتنا العربية هي هويتنا الحضارية والإنسانية، وهي الوجود الذي يضم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، داعيا إلى اهتمام النشىء بها باعتبارها أكثر اللغات في العالم جَمالًا، ومن أكملها بناءً، ومن أدقِّها قواعدَ وضبطًا وانضباطًا.

 

حدثنا عن حياتك العلمية باختصار؟ 
أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها كلية العلوم الإنسانية بالجامعة، تخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية التربية، ثم مقاصّة في كلية الآداب، جامعة صنعاء، والماجستير والدكتوراه في كلية الآداب جامعة القاهرة.

 

نريد تعريفا موجزا بأهمية وموقع لغتنا العربية؟ 
لغتنا العربية هي هويتنا الحضارية والإنسانية، وهي الوجود الذي يضم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فاللغة ليست مجرد رموز أو قناة اتصال إنساني فحسب، ولكنها أكثر من ذلك، فهي وعاء الحياة، وآفاق التفكير، وعوالم الخيال والمشاعر، وأسلوب التواصل الإنساني، وأداة العلوم ورموزه، وهي باختصار البرنامج أو النظام المعجز الذي وضعه الله في هذا الكائن البشري ليفهم من خلاله الكون ويحتويه ويصنفه ويعمر به الأرض ويبنيها، ويحقق خلافته فيها حين جعله الله خليفته في الأرض أعطاه، ليحقق تلك الخلافة، اللغة، التي تمثلت في قوله تعالى «وعلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا».
ولغتنا العربية بحسب تصنيف اللغات من حيث الانتشار تأتي في المرتبة الرابعة على مستوى العالم، وذلك لأهميتها وبحكم عدد المتحدثين بها ولأهمية بنائها.

 

من الواجب التمسك باللغة العربية في مجتمعنا وعدم القبول بالبديل, ما رأيك في هذا الأمر؟ 
لغتنا من أكثر اللغات في العالم جمالا، ومن أكملها بناء، ومن أدقها قواعد وضبطا وانضباطا، فقد خُدمت عبر قرون من الزمان قديما وحديثا لأنها ارتبطت بالقرآن الكريم المُعجز وبالرسالة الإسلامية الخاتمة.
ومن هنا كان حفظ الله لها ليتجلى بها حفظ القرآن الكريم، ويتحقق وعد الله بحفظه لها؛ متمثلا في أن قيّض الله لها رجالا يجمعونها، ويقعِّدون لها، ويدرسون جمالياتها، وكل ما يتعلق بعلومها من نحو، وصرف، وبلاغة، وعروض، ومعاجم وغيرها، ومن هنا نلاحظ بأن العربية من أكثر لغات العالم تراثا، وخدمة، ومكانة، ورُقيا. وفيما يتعلق بمسألة البديل لا يمكن لأي لغة أن تكون بديلا للعربية مهما حاول المحاولون، ولكن تتعايش معها، وتتآزر لتكون لغة اختصاص في بعض العلوم؛ لأن البديل يعني إلغاء الأصل، وقد صدق حافظ إبراهيم في وصفها بقوله:

وَسِعتُ كتابَ اللهِ لَفظًا وغَــايــةً
وما ضِقتُ عَن آيٍ بهِ وَعِظَـــــاتِ
فكيفَ أَضيقُ اليومَ عَن وصفِ آلةٍ
وتَنسِيـــقِ أَسمـــاءٍ لـِمُختَرَعاتِ
أنا البحرُ في أَحشَائهِ الدُّرُّ كَامنٌ
فَهل سَاءلوا الغَواصَ عن صَدَفاتي؟

وبالعكس من ذلك من يجيد لغتنا العربية الأم بقواعدها، وبلاغتها، وجمالياتها، وروحها لا يعجز عن تعلم لغة أخرى، وإن قصدتم بالبديل اللهجة المحكية من العاميات المتعددة، فإنها ليست بديلا عن الفصحى، ولكنها لغة حياة يومية متداولة لا ترقى لأن تكون بديلا.

 

ما مدى إقبال الطلاب وحبهم  لدراسة هذا التخصص في جامعتنا؟ 
طلابنا هم ثمرة مجتمعاتنا، ومخرجات تعليمنا الأساسي والثانوي، فكما يكون الإعداد المبكر للغة يكونون، وهذا الإعداد هو الأصل في تَشكُّلِ الإنسان، بتفكيره، وسلوكه، ولهذا يكون بالمقابل فهمه للغته وتعامله معها، وتفكيره بها وبمستقبلها، وانطباعاته عنها.
ولعل مما يُؤخذ على هذه المخرجات هو الوعي غير الحقيقي بلغتنا العربية، أو ربما نقول: التكريس الذهني والاجتماعي من البعض حيثُ جعلوها تأتي آخِرًا في الاهتمامات.
ولا أبالغ إن قلتُ إنها صارت من سقط المتاع في أفكار بعض الناس وتطلعاتهم حين يجدون التخصصات الأخرى ببريقها اللامع ومستقبلها يفوق ما يمكن أن يناله مختص في اللغة العربية وعلومها وآدابها.
ولهذا قد تجد في النظرة العامة والغالبة بأن اختيار تخصص اللغة العربية يأتي في ذيل القائمة من الاختيارات إذ لا مُغريات فيها، ولا تشجيع عليها لا من الأسرة ولا من المجتمع.
وقد يتصورها البعض، للأسف، نوعا من العقوبة نتيجة الضعف الذي تسبب في معدله البسيط، فكان هذا الاختصاص قدرَهُ المقدور، ومصيره المحتوم الذي لا مفر منه، وهو لا يدري أن العالم المتحضر ينهض لدراسة اللغات فيه، وفلسفتها، وآدابها أكثر الناس ذكاء، وأعلاهم معدلا.
ولعل مثل هذا التصور والإحساس والتفكير في مجتمعاتنا هو ما يتسبب في عدم النهوض بالطموح عند بعض طلابنا، والإقبال بوعي عليها، وإن كان الآخرون ممن يلتحقون بالتخصص ويتعمقون فيه، يغيرون نظرتهم، ويفهمون جمال تخصصهم، ويدركون فائدته، وآفاقه الكبيرة في الدين والدنيا، ويعرفون سعة ميدانه وعوالمه، فيعدلون من قناعاتهم السلبية السابقة وانطباعاتهم، ويتفوقون في دراستهم، ويصبحون في المستقبل نجوما في الأدب، والشعر، والرواية، والقصة، والإعلام، والفكر، والتربية، والثقافة، والحياة عموما يشار إليهم بالبنان.

 

موقع اللغة العربية في نظرك في الإعلام الجديد؟  
بالنسبة لموقع اللغة العربية في الإعلام الجديد، فإنها أداة الإعلام، وهي الشفرة التي تنطلق به من الحاضر بتقنياته وأدواته وآلاته المعاصرة إلى الحياة بما فيها من تراث الأمة وحضارتها، وقناة الاتصال وآليته ورسالته التي تعبر عن العربي بروحه، ودينه، وتراثه، ووجوده كل ذلك يتحقق من خلال لغته، وكل هذا يتضافر في تقديم الذات وتأكيدها، وقد تطور الإعلام الجديد في أدواته، بل وقفز قفزات واسعة ونوعية، ولكن محتواه وروحه وما يُقدم فيه لا يخرج عن الهوية العربية وأداتها اللغة، ولسانها العربية المبينة، وكما يَحترمُ كلُّ مجتمع وعرق لغته، بل ويبعثها من عدم، ولا أصل يُذكر لها ليفرضها ويعيشها.
ينبغي أن نحترم لغتنا ونعتز بها لأنها ذاتنا وكينونتنا الفكرية، والعاطفية، والحياتية، وهي وعاء التفكير والتخاطب، بل إنها المكان والزمان، والأرض والإنسان مُجسَّدا ومرصودا بين دفتيها ومن خلال حروفها، وكلماتها، وجُمَلِها.

 

الجامعة في طور إدخال وسائل التكنولوجيا الحديثة في طرق التدريس هل ترى أنها مُجدية في هذا التخصص؟ 
بلا شك أن أي تطوير في وسائل التدريس المعاصرة واستعمال تكنولوجيا التعليم هو في غاية من الأهمية لأن العلم في تطور مستمر وطرائقه في تحديث دائم، والحضارات تتآزر والحياة في استمراريتها تُطوِّر من أدواتها ومعطياتها، ولهذا فمن يقف أمامها رافضا أو يتخلف عنها مكابرا فإنه يتأخر عن ركب الحياة الإنسانية إجمالا، وبذلك ما تسعى فيه جامعتنا، لمواكبة وتطوير وتحديث في كل الأصعدة هو جزء من رسالتها الأكاديمية العلمية والتنويرية التي انطلقت بها بخطوات واثقة وكبيرة، وما هذه التطوّرات على مستوى البرامج الأكاديمية وتطوير الخطط التدريسية والتعليم بأنواعه التقليدي، والإلكتروني، والرقمي، أو الـ «بلاكبورد» إلا سبيل تميز، وطريق منافسة علمية وطنية، وإقليمية، وعالمية، وهذا شأن الدرس الجامعي البحثي، والتعليمي، والمجتمعي الذي تقوم به جامعتنا الفتية على كل الأصعدة وفي كلياتها المختلفة، وبالنسبة لجدواها، محل سؤالكم، فهي مجدية ومفيدة لأن طالب اليوم على قدر كبير من الاستعداد للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة بأنواعها.

 

كلمة أخيرة؟
أدعو أبناءنا الطلاب إلى ممارسة القراءة وأقول: (ممارسة) لأنها مهارة تحتاج إلى صبر، وتنمية، واستمرارية، وتدريب، ولا مفتاح للعلم كما تفتحه القراءة ولا يوجد عادة حسنة من عاداتنا كعادة القراءة والمثابرة عليها، ولا أقصرُ فعل القراءة على القراءة من كتابٍ فحسب، وإن كان خير جليس، ولكن أعمم هذا الفعل باستثمار الأدوات المعاصرة، أيضا، من خلال القراءة في تقنيات القراءة الحديثة عبر وسائطها المتعددة مثل: الحاسوب والجوال والآيباد، وغيرها، ولكن بطريقة ممنهجة وغير مشتتة.
وخلاصة القول: القراءة، ثم القراءة، ثم القراءة لمن أراد أن يكون شيئا مذكورا.