الدكتورة فاطمة عبد الله: لا بد أن يدرك كل مقبل على الابتعاث أنه سيكون سفيرا لدينه ووطنه
"يقع على عاتق المبتعث السعودي مسؤولية رسم صورة وطنية مشرفة للمملكة في بلد الابتعاث لذلك يجب عليه احترام وتطبيق قوانين وأنظمة البلد المستضيف والانضباط أكاديميا واجتماعيا وسلوكيا" هكذا تقول طالبة الابتعاث لمرحلة الدكتوراه لدراسة الإدارة والتعليم العالي في جامعة مورقن ستيت بالولايات المتحدة الأمريكية فاطمة عبد الله منصور والتي حاورناها في "آفاق" للوقوف على تجربتها مع الابتعاث.
الابتعاث فرصة ثمينة يحلم بها الكثير، كيف تصفين لنا تجربتك معها؟
مما لا شك فيه أن الابتعاث نشط في المملكة العربية السعودية خصوصا بعد ٢٠٠٥م ، عند إطلاق برنامج الملك عبدالله (رحمه الله ) الذي أتاح الكثير من الفرص أمام الطلبة الراغبين في إكمال دراستهم في الخارج،والحمد لله كنت من ضمن الطالبات التي أتيحت لها هذه الفرصة.
بالنسبة لتجربتي مع الابتعاث كانت جميلة جدا وممتعة وتكللت بتحقيق الحلم ولله الحمد والمنة ولكن لم تكن سهلة أبدا واجهت الكثير من الصعوبات والتحديات على المستوى الأكاديمي والثقافي والاجتماعي وبالأخص أنني زوجة وأم لأربعة أطفال وكان على عاتقي العديد من المسؤوليات والمهام.
ما أهم الصعوبات التي واجهتك خلال الابتعاث؟
الصعوبات التي واجهتني خلال فترة الابتعاث كثيرة لكن سأذكر منها البعض على سبيل المثال:
- حضانات الأطفال في الولاية التي أدرس بها مكلفة جدا على الرغم من أن السعودية تصرف مكافآت للطلاب المبتعثين ومرافقيهم ولكن للأسف لم أستطع استطيع تغطية مصاريف الحضانات خصوصا في البداية عندما كانوا أطفالي صغار بالإضافة إلى أن الدفع يكون أسبوعي وليس شهري بالراتب هذا الشي بحد ذاته كان يسبب لي توتر وقلق خصوصا فترة دراسة اللغة.
أيضاً من الصعوبات التي واجهتني على المستوى الأكاديمي (الاختبار الشامل) الذي يعقد بعد الانتهاء من الدورات الدراسية وقبل مرحلة كتابة الأطروحة يعطى الطالب فيها ٣ أسابيع فقط لحل ثلاث أسئلة: سؤالين من الدورات التي سبق أن درستها وسؤال بحثي منهجي والإجابة تكون في ٦٠ صفحة.
بصراحة صعب جدا أن أصف تجربتي مع هذا الاختبار، كمية ضغط نفسي وتوتر وقلق بالإضافة إلى أن اللغة الإنجليزية ليست لغتي الأم واحتاج إلى تجميع أكثر من ٦٠ مرجع لأجيب على أسئلة الاختبار في هذا الوقت القياسي.
بالإضافة إلى أن من معايير القسم في تقديم الاختبار كانت عالية لابد أن يكون مستوى الكتابة جدا ممتاز خالي من الأخطاء،كان هذا الاختبار مصيري بالنسبة لي لأن عدم النجاح فيه يعني عدم منح الدرجة للطالب.
ومن ضمن الصعوبات التي واجهتني خلال فترة الابتعاث عدم تجديد الفيزا الأمريكية لزوجي ( كمرافق) بعد فترة أمضيتها في أمريكا كنت قد أنهيت فيها اللغة وقاربت على إنهاء معظم الدورات الدراسية المقررة في برنامج الدكتوراة احتجت لتجديد الفيزا لي و للمرافقين قبل موعد انتهائها وعند زيارتي للسعودية وتقديم طلب التجديد تم تجديد الفيزا لي ولأطفالي وللأسف لم يتم إصدار فيزا لزوجي كان هذا الأمر جدا صعب علي وعلى أسرتي، اضطررت تلك السنة أن أعود لأمريكا أنا وأطفالي بدون زوجي لإكمال مسيرتي الدراسية ولإكمال دراستهم أيضا وقضيت سنة كاملة بدون مرافق حيث لم تصدر فيزته إلا بعد سنة تلك السنة كانت جدا صعبة علي وعلى أبنائي ووالديّ خصوصا أنني أسكن في ولاية وجامعتي في ولاية أخرى، عانيت كثيرا مع أولادي تلك الفترة في ظل غياب والدهم بالإضافة أنه تم إيقاف الصرف على زوجي كمرافق لعدم تواجده في بلد الابتعاث مما زاد العبء علي.
أيضا الحنين الدائم إلى وطني والأهل وكبر حجم المسؤوليات وضيق الوقت في إنجاز المهام اليومية خصوصا كأم.
ما أهم الفوائد التي تحققت لكِ من الابتعاث على المستوى الثقافي والفكري؟
فضلا عن الاستفادة الأكاديمية التي حققتها من الابتعاث، فقد وفر لي الابتعاث فرصة للاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى ووسع مداركي حول التنوع المجتمعي والثقافي وزاد عمق التفكير لدي، وساعدني الابتعاث على النظر إلى المجتمع بموضوعية أكثر ومحاولة تفهم وتقبل اختلاف الآراء، واحترام الفوارق الثقافية التي تتمثل في العادات والتقاليد والقيم الإنسانية، الابتعاث منحني أنا وأبنائي فرصة اكتساب اللغة الانجليزية وممارستها مع البيئة المحيطة، بالإضافة إلى أنه صقل مهاراتي في التفكير الناقد والتحليل وساعدني في اكتساب الخبرات المتنوعة حول أنظمة التعليم المطبقة في الدول الأخرى.
ما المزايا التعليمية التي راقت لكِ خلال الدراسة بجامعة أمريكية وتتمنين وجودها هنا؟
الاهتمام بالطالب وجعل الأولوية الأولى في المؤسسة التعليمية له فيعتبر شريك أساسي في تطوير وتحسين المؤسسة حتى أنه يتم إشراكه في مجالس القسم ومجالس الجامعة والأخذ برأي الطلاب واقتراحاتهم.
والمرونة سواء في المناهج الدراسية فهي غير ثابتة، أو في أساليب التدريس فهي متنوعة غير تقليدية تركز على اكساب الطلاب المهارات والخبرات بعيدا عن التلقين.
بالإضافة إلى جودة المرافق وموارد ومكتبة الجامعة وهيئات التدريس العاملين بها، مع توفر مراكز الأبحاث النوعية والكمية ومركز الكتابة الأكاديمية.
من خلال عيشك في بلد الابتعاث كيف لمستِ نظرة الأمريكيين إلى السعودية خصوصا في هذا العهد الزاخر بالكثير من التغييرات والتنمية ومع وجود رؤية 2030؟
بما أنني كنت أدرس في جامعة حكومية، لاحظت أن معظم الأمريكيين سواء الأساتذة أو الموظفين او حتى زملاء الدراسة متحفظين جدا في مشاركة آرائهم أو وجهة نظرهم حول الدول الأخرى بما فيها السعودية، ولكن لا أنكر أنني كنت ألمح نظرة الإعجاب والانبهار في أعينهم حيال التطور والتنمية الحاصلة في السعودية وبالأخص بعد تمكين المرأة.
من وجهة نظرك ما الذي يمكن أن يقدمه المبتعث السعودي كسفير لوطنه في دول الابتعاث؟
يقع على عاتق المبتعث السعودي مسؤولية رسم صورة وطنية مشرفة للمملكة في بلد الابتعاث لذلك يجب عليه احترام وتطبيق قوانين وأنظمة البلد المستضيف والانضباط أكاديميا واجتماعيا وسلوكيا وإبراز الصورة الصحيحة عن العادات والتقاليد في المجتمع السعودي والاعتزاز بها والمحافظة على المبادئ الدينية والأخلاقية والقيم الوطنية في التعامل مع الآخرين بغض النظر عن جنسياتهم أو خلفياتهم الدينية.
ما الذي تطمحين لتحقيقه عند العودة إلى أرض الوطن؟
أدرك جيدا حجم المسؤولية الوطنية والمجتمعية التي تقع على عاتقي بعد عودتي لأرض الوطن لذلك سأعمل جاهدة على نقل الخبرات والمعارف التي تعلمتها خلال فترة دراستي بالخارج. وآمل أن أٌسهم ولو بجزء بسيط في تحقيق رؤية 2030 كما أطمح إلى زيادة الوعي داخل البيئة الأكاديمية عند طريق خلق حوارات ومبادرات وتجارب فاعلة بعيداً عن نمطية التعليم السائدة بالإضافة إلى إعداد الأبحاث (الفردية- المشتركة) بطرق أكثر إبداعا.
ختاما.. ما نصيحتك لكل مقبلة على فرصة الابتعاث ولكل من لديها تخوف من خوض هذه التجربة؟
تجاهل كلام المحبطين القائم على التخويف والتحبيط وتقليل العزيمة، والتركيز على تحقيق الهدف المرجو من الابتعاث.
التهيئة نفسيًّا قبل السفر بكثرة الاطلاع والقراءة عن بلد الابتعاث ونظام التعليم والقوانين والأنظمة المتبعة .بالإضافة إلى متابعة قنوات التواصل الرسمية للملحقية الثقافية السعودية ومعرفة كل ما يتعلق بالقرارات الدراسية.
الاستفادة من تجربة الابتعاث بكل أبعادها، ليس فقط بالحصول على الدرجة المطلوبة ولكن باكتساب المعارف والخبرات وصقل المهارات والمواهب.
الاستفادة من الخدمات المجانية المقدمة من الجامعات او المعاهد او مكاتب الحي للطلاب الأجانب ( مثل زيارة مركز الكتابة، الاستماع الى المحادثات والحوارات المقامة في المكاتب للطلاب الأجانب ، المشاركة في مجموعات التخاطب وممارسة اللغة… الخ).
الابتعاث تجربة لها إيجابيات و سلبيات لابد لكل مقبلة على هذه التجربة أن يستفيد من الإيجابيات التي تتماشى مع ديننا وقيمنا وعاداتنا وتتجنب السلبيات.
ولابد أن يدرك كل مقبل على هذه التجربة أنه سيكون سفيرا لدينه ووطنه، وبالتالي هو مسؤول عن تصرفاته وسلوكياته سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه.
منال آل جبران