نظرية الأوتار.. العيش في عالم أغرب مما نتصور
عرف عن ألبرت أينشتاين، أنه كان شخصا غريبا على مجتمع الفيزياء خلال آخر 20 سنة من حياته، وكانت موضوعاته المفضلة تثير الحرج حول مائدة المناقشات؛ ففي الوقت الذي كانت فيه ميكانيك الكم، نظرية الأشياء المتناهية في الصغر، يجري اختبارها بدقة لم يسبق لها مثيل، رفض أينشتاين تقبل كونها نظرية أساسية.
وخلال السنوات الأخيرة من حياته، ومن أجل وصف الكون، كان يعمل على طريقة للتوفيق بين نظريته في الجاذبية، وميكانيك الكم؛ إلا أنه لم ينجح ومات قبل أن يرى حلمه يتحقق.
وبعد مرور أكثر من 40 عاما، لم يكن حُلم أينشتاين على وشك التحقق؛ فالمعضلة طويلة الأمد وإمكانية التوفيق بين ميكانيك الكم والنسبية العامة ليست في طريقها إلى الحل على ما يبدو.
وإذا كان العلماء الذين يتشاركون فيما يطلقون عليه «نظرية الأوتار الفائقة» أو «نظرية الأوتار» كاختصار، على حق، فهذا يعني أننا نعيش في عالم أغرب مما نتصوره، عالم يتكون من 10 أبعاد بعضها على شكل كرات ملتفة عند المستوى الميكروسكوبي، بالإضافة إلى وجود بعض الأبعاد الكبيرة التي نعتبرها حقيقة. وهو عالم، حسب النظرية النسبية، يكون الفرق فيه بين الزمان والمكان مجرد زيف، وفي الحقيقة، هو عالم مفهوم، الزمان والمكان فيه على حافة التلاشي.
وكما قال الأستاذ بجامعة كولومبيا، براين غرين، وهو قد ألف حول هذا الموضوع، «إذا كانت نظرية الأوتار حقيقة، سيكون لنسيج كوننا خصائص ستُبهر حتى اينشتاين نفسه».
في نظرية الأوتار، لا وجود لأية جسيمات أولية (كالإلكترون والكوارك وغيرها)، بل كل ما هو موجود عبارة عن قطع من أوتار مهتزة، ويتوافق كل وضع اهتزاز مع جسيم معين، ويحدد هذا الاهتزاز شحنة الجسيم وكتلته.
في فهمنا الحالي للنظرية، تلك الأوتار ليست مصنوعة من أي شيء، بل إنها المكون الأساسي للمادة.
وستكون النتائج المترتبة على استبدال جميع الجسيمات بأوتار مهتزة ومتناهية في الصغر هائلة، والوصف الملائم والوحيد لهذه الأوتار التي تحتوي على 10 أبعاد أو حتى 11 بعدا، هو أن ستة أو سبعة أبعاد منها متكور؛ وهذه الأبعاد الإضافية هي التي تحدد خصائص العالم الذي نعيش فيه، أما الأبعاد الأكبر والعادية هي ما نعتبره المكان والزمان. وأكثر من ذلك، فإن وضع الأوتار المغلقة يتميز بجزيئين دوارين من الجرافيتيين وهو الجسيم المسؤول عن الجاذبية كواحدة من التفاعلات الأساسية.
وفي الواقع، فإن إحدى حلول معادلة الأوتار، قوة شبيهة بالجاذبية، وهي شهادة على قوة وجمال نظرية الأوتار. وهذا يسهم في جعل الفيزيائيين يتخلون عن الفكرة الشائعة عن المكان والزمان، والاعتراف بعالم ذي عشرة أبعاد بدلا من تخمين إلى أين سيقودهم طريق البحث عن نظرية موحدة.
وتمكنت نظرية الأوتار بنجاح من أخذ الجاذبية بعين الاعتبار والتكهن بجسيمات فائقة التناظر؛ ولكن، حتى بضع سنوات مضت، كانت صلة هذه النظرية صغيرة بأحاجي الفيزياء جراء عدم قدرتها على إعطاء تنبؤات قابلة للرصد وملموسة، أي أنها ليست أكثر من بناء رياضي جميل، لكن تغيرت الأمور في عام 1996 بعد تدخل «آندرو سترومينغر» Andrew Strominger، من معهد الفيزياء النظرية في جامعة سانتا باربارا، و «كومرون فافا» Cumrun Vafa من جامعة هارفرد، اللذين استعملا نظرية الأوتار من أجل بناء نوع معين من الثقوب السوداء بنفس الطريقة التي يمكن لأحدهم من خلالها بناء ذرة هيدروجين عبر التلاعب بالمعادلات المستمدة من ميكانيك الكم، والتي تصف ارتباط الإلكترون بالبروتون.
وقد استطاع سترمينغر وفافا، تحديد القيمة الصحيحة للفوضى التي تم التنبؤ بها من قبل بكنشتاين وهوكينغ.
وقد صعقت هذه النتائج مجتمع الفيزياء؛ إذ إنه وللمرة الأولى، أمكن الحصول على نتائج الفيزياء الكلاسيكية من قبل نظرية الأوتار؛ لكن على الرغم من هذا، فإن الثقوب السوداء التي أتت بها هذه النتائج، لديها القليل فقط من القواسم المشتركة مع الثقوب السوداء التي نعتقد أنها تقع في مراكز المجرات، وتوضح هذه الحسابات العلاقة بين الأوتار والجاذبية، بالإضافة إلى ذلك، فهي تقدم لنا رؤى على المسببات الفيزيائية للجواب.
ولا يعرف أحد بعد إذا كانت نظرية الأوتار هي النظرية النهائية، أي «نظرية كل شيء» أو إذا كان هناك شيء من هذا القبيل أصلا، لكنها نظرية أنيقة ولها إمكانية قوية، وهي الأوفر حظا في القرن الحالي عند الحديث عن نظريات تفسر وبشكل عميق طبيعة العمل الداخلي للكون.
المصدر: موقع ناسا بالعربي