القرني يروي قصة حبه للإعلام ويستعرض تجربته في الابتعاث
مشهور العمري
أحب المحاضر بقسم الإعلام والاتصال بالجامعة، المبتعث إلى أميركا لدراسة الدكتوراه، أحمد القرني، مهنة الإعلام صغيرا، فكان يشارك في البرامج والمناسبات الجماهيرية كالإذاعية المدرسية والمهرجانات الثقافية والاجتماعية، حتى أخذه الشغف إلى تأسيس مجلة ثقافية وهو لا يزال في المرحلة المتوسطة.
في الحوار التالي، يتحدث القرني عن تجربته في الابتعاث، وكيف استغل وجوده في الغرب لتطوير مهاراته الإعلامية نظريا وتطبيقيا، ويسلط الضوء أيضا على أبرز الفوارق بين الإعلام التقليدي والجديد.
حدثنا عن تجربتك في مجال الإعلام؟
الإعلام في صورته المهنية والتطبيقية عادة ما تنطلق من مهارات الشخص الفطرية، وهذا ما كان يشدني في صغري، وهو المشاركة الدائمة في البرامج والمناسبات الجماهيرية كالإذاعية المدرسية والمهرجانات الثقافية والاجتماعية.
وأذكر حينما كنت طالبا في المرحلة المتوسطة أسست مع زميل آخر مجلة ثقافية شهرية على مستوى المدرسة وأسميناها «مجلة المعرفة» أسوة بمجلة المعرفة التي كانت تصدرها وزارة التربية والتعليم يومئذ.
وربما زاد هذا الشغف حينما حققت مراكز متقدمة علي مستوى المنطقة والمملكة في مسابقات الإلقاء والتأثير على الجماهير.
وعندما بدأت الدراسة الجامعية في جامعة الملك خالد زادت الفرص، وبخاصة أنني انتقلت من القرية ذات الفرص الضيقة، إن وُجدت، إلى رحاب مدنية أكثر فرصا.
كنت مولعا، وما زلت، بالعمل الإذاعي والتلفزيوني وكنت أشارك في أغلب مناسبات الجامعة والمنطقة عموما في التقديم، والمشاركات الجماهيرية بالإضافة إلى عملي مراسلا صحفيا لصحيفة «آفاق».
وفي عام ١٤٢٨ مثلت جامعة الملك خالد في مسابقة الإلقاء والخطابة على مستوى دول الخليج ونلت، بتوفيق الله، المركز الثاني؛ مما دفعني للمواصلة في هذا المجال، وبعد ذلك تنقلت في أكثر من محطة تلفزيونية بصفتي مقدم برامج قبل أن ابتعث إلى الولايات المتحدة.
في أميركا كانت الفرص أكبر، فقمت بتأسيس مكتب إقليمي لمجموعة MVR الإعلامية، بالإضافة إلى عملي مراسلا للمجموعة من أميركا. تعاونت أيضا مع بعض الصحف المحلية كصحيفة المدينة قبل أن أنتقل إلى العاصمة واشنطن لمواصلة دراسة الدكتوراه.
ومنذ ٢٠١٥ حتى الآن أعمل مراسلا للقناة الإخبارية السعودية من واشنطن، وكانت التجربة الصحفية في مدينة كواشنطن ثرية جدا على مستوى المهنة والمهارة، فما من أسبوع إلا وواشنطن تستضيف حدثا عالميا.
ومن أبرز المشاركات التي أضافت إلي تحولا جوهريا هي المشاركة في تغطية زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى أميركا ٢٠١٥، وكذلك المتابعة والتغطية الدائمة للانتخابات الأميركية الأخيرة، بالإضافة إلى المناسبات الدولية والوطنية المتفرقة، وأيضا الأحداث المفاجئة، والولايات المتحدة دائما بلد المفاجآت عمدا أو صدفة.
مع سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي على المشهد الإعلامي.. كيف تفسر وجود الإعلام التقليدي ومواكبته لهذا التطور؟
حضور الشبكات الاجتماعية طاغ، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط لأسباب متعددة، بل تمثل تاريخا عالميا لبعض الشبكات كتويتر في السعودية وفيس بوك في مصر.
وهذا الحضور الكبير ولد انعكاسا اجتماعيا وسلوكيا ومعرفيا بل وسياسيا كالذي حدث في ما سمي «الربيع العربي»؛ ولذلك انتزعت بعض شبكات التواصل الاجتماعي الهيمنة من الإعلام التقليدي ونجحت في ذلك، لأساب منها:
1) استطاعت شبكات التواصل الاجتماعية التمرد على قيود المهنة الصحفية المفروضة على الإعلام التقليدي، بل أخرجت الإعلام من طابعه المؤسساتي إلى طابعه الشخصي،
ومثال ذلك أن الشبكات الاجتماعية استطاعت ترميز أشخاص بأعينهم ليكونوا هم مصادر فكرية أو خبرية أو اجتماعية ..الخ
2) الشبكات الاجتماعية أذابت ما يسمى بـ «غرفة الأخبار» في الإعلام التقليدي ذات العملية المعقدة في إخراج المنتج الصحفي الذي يأخذ مدة أطول.
أما في الشبكات الاجتماعية ففي لحظات يمكنك أن تصدر «برودكاست سنابه أو تغريدة واحدة» وتصل للعالم في دقائق بلا قيد مهني ولا شرط اجتماعي أو حتى سياسي .
3) الثورة التقنية المستمرة التي سهلت عملية الشبكات الاجتماعية كالأجهزة الذكية المطورة دائما، التطبيقات المتتالية، وأيضا توفر خدمة «الإنترنت» الذي يمثل الناقل والقالب الأسرع.
٤) الشبكات الاجتماعية استطاعت أن تكون أقرب لصوت الشارع ونقل همومه وتطلعاته بل حتى في نقل المواقف الطريفة والنكت التي تحدث في الشارع، في وقت أخفق الإعلام التقليدي في العالم العربي، وتحديدا الذي يمثل وجهة نظر أحادية في هذا الجانب.
في المقابل بعض الإعلام التقليدي أدرك طبيعة المرحلة وكانت حرجة بالطبع، فحاول التماشي مع ثورة الشبكات الاجتماعية، وذلك من خلال «أقلمة» بعض البرامج والمواد التقليدية، وجعل الشبكات الاجتماعية «كقوالب» صحفية بدلا من شاشة التلفزيون أو الموقع الإلكتروني أو الصحيفة المطبوعة.
وفي الوقت نفسه حافظ الإعلام التقليدي على هيمنته في جوانب أخرى، مستغلا إخفاق الشبكات الاجتماعية حتى الآن في أمرين:
الأول: أصبحت الشبكات الاجتماعية صوت الجماهير وصوت من لا صوت له، إلا أنها أحدثت «فوضى» على مستوى الأفكار والمهنة.
٢- مازال الإعلام التقليدي، نسبيا، محافظا على قوة محتواه الإعلامي، مما حافظ على مصداقيته عند الجماهير أكثر من محتوى الشبكات الاجتماعية أحيانا.
الإعلام بين الممارسة والدراسة.. تعددت الآراء واختلفت الأقوال.. وجهة نظرك في هذا الأمر؟
الممارسة والتطبيق دائما تطرد وتنطلق من النظرية «الدراسة»، لأجل ذلك إذا وُجد فجوة بينهما، في إطار العملية العام، كان هناك خلل.
وللأسف هذا مألوف في بيئتنا، وعموما مازلنا متأخرين جدا في استيعاب أهمية البحث (الدراسة) التي هي أصل الممارسة ولو بشكل غير مباشر، مع التنبيه إلى أن لكل علم وفن أحواله العلمية والبحثية والمهنية الخاصة.
في بيئتنا الإعلامية هناك تباين كبير بين «الإعلامي» العلمي المتخصص، وبين «الإعلامي» المهني الذي انتسب للإعلام بالممارسة بالتقادم، وهذا أدى لعدم توازن في عملية اتصال الإعلام نفسه وإن كان هناك أسباب خارج إطار الإعلام.
بعض الجامعات في الولايات المتحدة قبل أن تعلم طلابها كيف يديرون مؤسسة إعلامية أو كيف يكتبون خبرا صحفيا أو كيف يقدمون فقرة إذاعية، فإنها تعلمهم أن يستوعبوا جيدا نظريات الإعلام الفلسفية وتاريخها المنهجي والتأثيري مع إيجاد مجال للتفكير النقدي، وجعل الطالب شريكا في هذا العلم بتفكيره الناقد وممارسته.
لذلك أمر مألوف أن تجد أستاذا جامعيا له العديد من الأبحاث العلمية، وفي الوقت نفسه تجده مقدم برامج في إذاعة ما أو عمل في غرفة الأخبار في محطة ما؛ فهو يؤمن بأن كلا الجانبين يكمل الآخر، مع اعتبار أن الإعلام من العلوم البينية التي تنعكس نظرياته وفلسفته على ممارسات المجتمع بشكل مباشر وسلس، مما يسهل على المتخصص الجمع بين الإعلام بشقيه العلمي والمهني.
يتردد كثير بين أروقة الإعلام ومن ينتسب له مصطلح «الإعلام المحافظ».. كيف تصف هذا المصطلح وما سبب ظهوره؟
الإعلام المحافظ ليس مصطلحا علميا مستقرا له نظرياته وتاريخه، بل هو في نظري «ردة فعل» لمواجهة توجه إعلامي آخر له أيدلوجياته وأفكاره التي تختلف عن توجه ما سمي بـ «الإعلام المحافظ» وجماهيره، لأجل ذلك تجد تطبيقات هذا المصطلح تتباين من مؤسسة إعلامية لأخرى وإن اتفقوا في الإطارات العامة.
الإعلام، غالبا، يعكس صراع الأيدلوجيات الفكرية والسياسية خصوصا بما في ذلك الإعلام الحكومي؛ لذلك ليس غريبا ظهور أنفاس إعلامية مختلفة ومتباينة.
والمهم هنا التزام كل طرف بأدبيات المهنة وأخلاقياتها، وفتح مدار حر لكل طرف على مسافة واحدة بما لا يؤثر على منظومة قيم المجتمع وثقافته، مع التجدد الدائم للأفكار والمهارات ومن ثم الممارسات، بل كلما تعددت توجهات الإعلام أكثر أعطت تناسقا وتنوعا مجتمعيا أفضل.