نظرية الفوضى.. تنظم الأشياء المختلطة وغير المتناسقة

تاريخ التعديل
6 سنوات 9 أشهر
نظرية الفوضى.. تنظم الأشياء المختلطة وغير المتناسقة

عبدالله زارب

تبدأ نظرية الفوضى من الحدود التي يتوقف عندها العلم التقليدي ويعجز في حلها؛ فمنذ شرع العلم في حل ألغاز الكون عانى دوما من الجهل بشأن ظاهرة الاضطراب، مثل تقلبات المناخ، وحركة أمواج البحر، والتقلبات في الأنواع الحية وأعدادها، والتذبذب في عمل القلب والدماغ. إن الجانب غير المنظم من الطبيعة، غير المنسجم وغير المتناسق والمفاجئ والانقلابي، أعجز العلم دوما.
وشرع هذا الواقع في التغير تدريجيا في سبعينات القرن العشرين، عندما همت كوكبة من العلماء الأميركيين والأوروبيين للاهتمام بأمر الاضطراب وفوضاه. وتألفت تلك الكوكبة من علماء الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والكيمياء، سعوا للإمساك بالخيوط التي تجمع ظواهر الفوضى كلها.

تنظيم
تقرر هذه النظرية أن بعض الأمور التي نراها مختلطة وغير مترابطة قد تكون منظمة، وتسير حسب نسق محدد بعكس ما تبدو عليه.
فالمراقب لحركات النحل أو سلوكه يلحظ الترددات العشوائية التي يمارسها دون نظام ظاهر، حركات مستقيمة وأخرى ملتوية دائرية أو اهتزازية، سريعة أو بطيئة، لا يبدو بينها أي ترابط، ولكن ما كشفه العلم من أن هذه الرقصات والحركات العشوائية ما هي إلا لغة منظمة يتواصل بها أفراد الخلية تُحدد من خلالها مكان الغذاء الذي وجدته، وربما نوعه، فهذه الفوضى الظاهرية في حركات النحل هي في الأَصل تنظيم بديع في الحركة، فلكل منها هدف محدد وواضح لكل فرد منها.
وكذلك عند مراقبة الأبناء وهم يتهيئون صباحا للانطلاق إلى مدارسهم، فإن منظرهم يوحي بالفوضى يتحركون كثيرا، ويراوحون جيئة وذهابا، هذا يأخذ شيئا وذاك يضع آخر، وهذا يخرج والآخر يفتح دولابه، أو يرتدي ثيابه، أو ينتعل حذاءه في فوضى ظاهرة، لكن في حقيقة الأمر، فإن عمل كل منهم منفردا هو عمل منظم يبدأ بترتيب محدد يمارسه بشكل يومي دقيق. فالحركات التي تبدو عشوائية هي في الواقع تتبع مسارات غير خطية تتكرر وتتداخل بنسق معين غير متماثل تماما، ولكنه منظم جدا وكأنها تعود إلى نقطة جذب محددة بعد أن تنطلق عنها.

النظام الخفي
تحاول نظرية الفوضى هذه الوصول إلى النظام الخفي غير الظاهر فيما يبدو عشوائيا من الظواهر، أو الأحداث، أو السلوكيات، أو الحركات، ووضع قواعد لدراسته والاستفادة من تطبيقاته؛ وهي وإن كان بها جانب فلسفي، إلا أن الجانب الآخر من علم الفوضى هذا يهتم بإيجاد أنماط محددة من الترتيب داخل الفوضى الظاهرة، ففي مثال الأبناء السابق وجدنا نوعا من النمط المتكرر بشكل دوري منتظم، مع ما يبدو عليه الحال الظاهري من فوضى.
 وهذا أمر مثير حقا؛ إذ أن النظام هو أساس في التكوين الكوني، فلا شيء يسير فيه دون نظام، ولا شيء فيه يجري بغير ترتيب، فسبحان الله الذي أحسن كل شيء خلقه.
 

القدرة على التأثير
إن أنظمة الكون معقدة ومتداخلة، ولفهمها علينا تحليلها إلى عواملها المختلفة ومعرفة تأثير كل منها على غيرها وعلى محيطها.
فالإنسان الذي يعيش حياته بطريقة اعتيادية قد لا يكون مؤثرا بشكل مباشر في شخص بعينه يعيش في بلد آخر بعيد.
ولكن المذهل أن تؤثر به طريقة حياة الأول، دون أن يشعر، وذلك بتأثيره على أشخاص لهم القدرة على التأثير بالآخر البعيد، ومن ثم فهناك نوع من التنظيم في هذه الأمور التي تبدو عشوائية وغير مترابطة.
إن بعض الأمور التي لا تبدو مهمة، أو قد تكون تافهة لا تثير اهتماما لدينا، فإنها تؤثر تأثيرا بالغا في جانب آخر بعيد، لا ندري ربما أنه قد تأثَّر بتلك التوافه بنظرنا، وهذا ما توضحه نظرية تأثير الفراشة الناشئة عن النظرية السابقة.