الرصاصة أو الطلقة السحرية.. النظرية الإعلامية الأكثر تأثيرا

تاريخ التعديل
6 سنوات 9 أشهر
الرصاصة أو الطلقة السحرية.. النظرية الإعلامية الأكثر تأثيرا

عبدالله زارب

لم يعد الإعلام يستخدم للدعاية والترفيه فقط، فقد أصبح المحدد لقوة أو ضعف الدول، لما يمتلكه من تأثير عجزت عنه كل أسلحة العالم؛ وهو التغيير الطوعي دون إجبار. فالإعلام قوة خارقة، حينما يستخدم بالطريقة الصحيحة، فهو يحرك العقول ويوحي لكل متلق بطريقة غير مباشرة الرسالة المطلوبة دون أن يشعر؛  فيبدأ التأثر ومن ثم تصنع الأحداث، لذلك لا تستغرب حينما يقال إن للإعلام دورا رئيسا في ثقافات الأمم . لذا فلابد للدول من صناعة مادة إعلامية تلامس قلوب الشعوب، وتحافظ على ثقافتهم وقيمهم، وتحركهم كيف تشاء.

النظرية السحرية
أطلقت على هذه النظرية عدة تسميات أهمها: نظرية الرصاصة أو الطلقة السحرية،  أي أن الرسالة الإعلامية قوية في تأثيرها ، شبهت بالطلقة النارية التي إذا صوبت بشكل دقيق لا تخطئ الهدف مهما كانت دفاعاته. كما سميت أيضا بنظرية الحقنة أو الإبرة تحت الجلد، أي شبهت الرسالة هنا بالمحلول الذى يحقن به الوريد ويصل في ظرف لحظات إلى كل أطراف الجسم عبر الدورة الدموية؛ ويكون تأثيره قويا ولا يمكن الفكاك منه.

منطلقات النظرية
• تفترض أن المرسل يتحكم بشكل كامل في العملية الاتصالية، لأنه هو الذى يضع الرسالة ويقوم بتصميمها وبنائها ويختار الوسيلة، أو القناة الأكثر تأثيرا وانتشارا ويختار التوقيت و الظرف المناسب.
•  استقبال الرسالة هي تجربة فردية وليست تجربة جماعية يعنى أن الرسالة تصل إلى كل فرد بشكل مستقل؛ وهو منعزل عن الآخرين فلا تفاعل بينهم لأن الجماهير ذرات منفصلة.
•  إن الفرد يتلقى الرسالة مباشرة من الوسيلة بدون وسيط.
•  تفترض هذه النظرية أن الرسالة الإعلامية تصل إلى كل أفراد المجتمع بطريقة مشابهة؛ أي أن كل فرد يستقبلها بنفس الطريقة، يعنى لا توجد فوارق بين الأفراد في تفاعلها معهم.
•  تفترض النظرية أن المتلقي سيستجيب دائما وبشكل قوى للرسالة التي يتلقاها؛ بما يحقق هدف القائم بالاتصال، فالمتلقي هو عنصر ضعيف جدا في العملية الاتصالية، وهو المستهدف في حين أن المرسل هو العنصر المسيطر.

الخلفيات النظرية
لقد تبلورت هده النظرية نتيجة لمجموعة من النظريات في مجالات مختلفة تنتمى إلى العلوم الاجتماعية، ومن أهمها:
1- علم الاجتماع و نظرية المجتمع الجماهيري.
2- علم النفس ونظرية المنبه والاستجابة .
3- التحليل النفسي والنظرية الفردية.
4- العلوم السياسية و نظرية لاسويل.
5- تطور الإذاعة والسنيما كوسائل اتصال جماهيري.
علاقة الجماهير بالنظرية
مثلما عرفنا من نظريات القرن التاسع عشر في علم الاجتماع؛  فإن تقسيم العمل والتمايز بين الأفراد والتخصص الدقيق من سمات المجتمع الصناعي الجديد، وقد كانت الحرب العالمية الأولى بحق أول أعمال النضال الشامل الذى لعبت فيه الشعوب أدوارا نشطة ومنسقة في الجهود المبذولة ضد أعدائها. ففي معظم الحروب السابقة كانت القوات العسكرية المواجهة تقوم بتنفيذ نضالها بشكل مستقل نسيبا عن المدنيين، مالم تقع المعارك في المناطق القريبة منهم، وتطلبت الحرب الشاملة استغلال موارد الأمة استغلالا كاملا. وكان يجب التضحية بوسائل الراحة وبإقناع أفراد الشعب بترك أسرهم والالتحاق بصفوف الجيش،  وكان يتعين أداء العمل في المصانع ليل نهار،  وكان من الضروري توفير الاموال اللازمة لتمويل الحرب.
لذلك؛  نشأت حالة عاجلة وحاسمة لإيقاظ روابط أقوى بين الفرد والمجتمع؛  لذا أصبح من الضروري تحريك الأحاسيس ومشاعر الولاء؛  لكى يغرسوا في نفوس المواطنين البغض و الخوف من العدو. وقد كانت الدعاية هي الوسيلة لتحقيق هذه الاهداف الملحة وادت وسائل الدعاية المصممة تصميما دقيقا إلى تعلق الشعوب بالقصص الإخبارية  والصور و الافلام والكتب والخطب  الدينية وملصقات الإعلان  والشائعات، وبالتالي أصبحت وسائل الإعلام المتاحة هي الأدوات الرئيسية لإقناع  الناس.
ولقد كان المسؤولون عن الدعاية يعتمدون على الميزات النظرية لعلم الاجتماع وعلم النفس الذى تبقى من القرن التاسع عشر، و كانت الأرضية التي بنيت فيها نظرية الآثار الموحدة أو القذيفة السحرية. فلقد كانت سيكولوجيا الغرائز في قمة انتشارها خلال الحرب العالمية الأولى،  وظلت كذلك حتى نهاية العشرينات.  وتؤكد هذه النظرية على سلوك فرد معين يحدده إلى حد كبير الآلية البيولوجية الموروثة والمعقدة التي تظلل بحث المؤثرات والاستجابات،  و نتيجة لذلك بين كائن بشرى وآخر. وإن الناس ورثوا تقريبا نفس المجموعة الكاملة الخاصة بالصفات الآلية البيولوجية الداخلة التي تزودهم بالدوافع والطاقات اللازمة للاستجابة للمؤثرات المقترحة بطرق معينة.
بعد الحرب العالمية الأولى ظهر حماس شديد لتحليل الدعاية أثناء الحرب الأولى، لاسيما بعد ان تأسس معهد لتحليل الدعاية عام 1937 بالولايات المتحدة الأمريكية؛  وقد ظهرت خلال هذه التحليلات أسطورة رجل الدعاية ورجل الإعلام و قوته في استخدام وسائل الإعلام،  وكذلك ظهرت نظرية الآثار الموحدة التي تنظر إلى جماهير وسائل الاتصال الجماهيري كمجموعات من الأشخاص غير المعروفين.
إذا فإن نظرية الرصاصة السحرية ومفعولها القوي المؤثر الذي أدى إلى تأجيج الافراد ومن ثم تفكيك وتفتيت المجتمعات العربية ، لذى وجب علينا أن نكون أكثر وعيا لما تخفيه الإبر الإعلامية المخدرة أو المثيرة لمشاعر الأفراد ومحاولة بناء دروع اعلامية لمواجهة الرصاصات القادمة من الخارج.