شيم القمم

ماجستير اللغة والإعلام
تاريخ التعديل
سنتان 3 أشهر

تعتبر الحضارات هي الناتج الإنساني لحقب تاريخية معينة، يصنعها الإنسان بقدراته وإمكانياته المتوفرة والتي يستطيع حشدها في البناء والتنمية والثقافة والفنون والاقتصاد ومجمل التكوين المجتمعي، ولذلك يتفق العلماء على أن الحضارات انعكاس ميداني لجهد الإنسان، تزدهر وتنمو بقدر ما يبذل من جهد وفكر ويبدع بالعمل وينتج ويندمج أكثر في بحور العلوم.

وكلما زاد الإنسان من قدراته العلمية وطور آلته التكنولوجية، يكون تأثيره في الناتج الحضاري كبيراً وعظيماً، ومن دون ذلك لا يستطيع أن ينجز ما يستحق أن يفخر به ويتباهى، ويورثه للأجيال القادمة، وبهذا المؤشر يمكننا فهم التفاوت غير المحدود بين حضارات الدول، إنجازاتها التاريخية، قدراتها على العطاء والبناء والتطوير والخلق والإبداع، وكيف أن أمماً سادت الأمم حقباً تاريخية معينة.

وإذا كان الفيلسوف يرفض تعريف الإنسان من فكرة أن كل تعريف للإنسان هو قتل للإنسان،  ولعلنا  نتجاوز القاعدة ونحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب المُعرفة له ، فبالرغم من أن الإنسان في المفهوم العامي مخلوق آدمي، وعند البيولوجيين كائن حي من منظور انه يقوم بوظائف كالتغذية، الإحساس، الحركة، التناسل، وهذا المفهوم البيولوجي ينحصر في أطر ضيقة لا يفصل بين الإنسان والحيوان، وترتبت عنه عدة فلسفات سفلت الإنسان تسفيلا. ولكن عندما نطالع تصورات الفلاسفة ومفاهيمهم عن الإنسان، نلاحظ مدى التنوع والتعدد التضاد والتداخل  ، فابن سينا في (النجاة ص 156) يعرفه على الشكل التالي: "ليس الإنسان إنسانا بأنه حيوان، أو مائت، أو أي شئ آخر، بل بأنه مع حيوانيته ناطق " إلا أنه في كل ذلك المخلوق ذو العقل والمهيأ لعمارة الأرض قال الله تعالى :  )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، (03). وفسرها المغامسي، في «سلسلة محاسن التأويل»: «هذه الآية يمكن تناولها من عدة وجوه: هذا الأمر كان قبل أن يخلق الله جل وعلا آدم، أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة، قال بعض العلماء: إن آدم خليفة بمعنى: خليفة الله في الأرض في إعمارها، وهذا لا يستقيم شرعاً، لأن الخليفة عن الشيء يكون من جنسه، وآدم مخلوق والله خالق، وننتقل إلى مسألة أخرى: هل خليفة هنا بمعنى خليفة عمن سبق، فيكون المعنى آدم خليفة عن غيره، أم أن خليفة اسم جنس أُفرد أُريد به الجمع، فيصبح الكلام ليس عن آدم، بل عن ذريته التي من بعده؟ وقيل: إنه خليفة عمن كان يعمر الأرض،

 ومن ذلك أن الحضارة كالحرية، لا يمكن الحصول عليها إلا بالإنسان المتعقل لفعله، المدرك لوقته، والمتفاعل مع التراب، والمتناغم مع التراث، والمتعلق بالمعارف العالمية على السواء،

وعندما نتصفح (الشفاء) نجد تحليلا للمفهوم السابق، فالإنسان عنده جوهر له امتداد في أبعاد مادية تفرض عليه الطول والعرض والعمق، ومن جهة أخرى يمتلك نفسا بها يتغذى ويحس ويتحرك ومع ذلك يمتلك عقلا به يتفهم الأشياء، ويتعلم الصناعات … وعندما يتحد كل ما سبق نحصل على ذات متحدة هي الإنسان. أما الفارابي أبو نصر في كتابه (فصوص الحكم ص 30) يعرفه على النحو التالي: " إن الإنسان منقسم إلى سر وعلن، أما علنه، فهو الجسم المحسوس بأعضائه وأمشاجه، وقد وقف الحس على ظاهره، ودل التشريح على باطنه .وأما سره فقوى بروحه .

ومما لاشك فيه أن بناء الإنسان يسبق دائما المشروع من حيث التجسيد لا من حيث الوجود، فكل المحاولات الكبرى في التاريخ الحضاري، اتجهت إلى بناء الإنسان أولا، وقد يكون الإنشان ضمن المدخلات الحقيقة التي تؤسس للبناء وتقوي أركانه ،

 

والمجتمعات التي تصنع الحضارات تضع تنمية الإنسان هدفها الأول والأكبر والذي لا يعلوه هدف، باعتباره صانعاً لكل ما نتمنى أن نحققه آنياً واستراتيجياً، هي وحدها التي تستطيع أن تبني حضارة تعلو بها إلى القمم التي لا يستطيع أحد أن يصل إليها أو يزاحمها فيها، لذا كان الهدف الهادف والاستثمار الأول هو الارتقاء بالإنسان، تربيته وتعليمه وتدريبه وتأهيله وتوظيف قدراته في الأماكن المناسبة واستثمار تاريخه بما يصنع مستقبله ويبني الفرص وينميها لأجياله الصاعدة  .

 

من هذا المنطلق جاء اعتماد ولي العهد النابه والقائد الفذّ نائب رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله - لمسمى ( شيم وقمم )   على استراتيجية تطوير منطقة عسير، إيمانا من سموه بأن عسير ترتكز قوتها على طبيعتها الفريدة المتمثلة في قممها الشاهقة، وأصالة أهلها ، فالإنسان وحده يمثل أكبر القوى للتغير وأعظم الأدوات والممتلكات لأحداث التحول النوعي في الاقتصاد والحضارة ،فالموروث  الثقافي والاجتماعي الثري لإنسان هذه المنطقة مختلفًا وضاربًا في جذور التاريخ .

أما تعبيرالقمة فهو رمز ذو ثلاثي الأبعاد دلالية، وبه دلالة واضحة على ثقة القيادة في إيصال هذه المنطقة إلى ناصية المستقبل وقمته ، في تنمية شاملة واستثمارًا لمكامن ثرواتها الكامنة والتي ستأخذ منطقة عسير نحو مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر في وطن طموح.

 

وهنا فقط تولد الفرص التي تمكن هذا الإنسان من عماره أرضه وصون وطنه وإنسان عسير هو من وشحته القيادة الحكيمة بهذا الفخر وجعلت منه رمزًا لحضارة معاصرة و ناطقة تستكمل حضارة أجداده على سفوح قمم جباله الشامخة.