المزاج واستهلاك التفاهة؟!!

أستاذ مشارك بقسم الإعلام والاتصال
تاريخ التعديل
سنتان

إن وسائل الإعلام المختلفة، قد تحولت في العصر الراهن إلى منابر للشهرة وكسب المال من خلال نشر التفاهة بمختلف أنواعها وأشكالها، وفتحت بذلك أبوابها للكثير من الناس للحديث عن ذواتهم ومدحها بشتى الطرق والوسائل، وأضحت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"تيك توك" وغيرها ..., فضاءات واسعة لإبراز الذات والتعبير عنها بشكل يثير السخرية والضحك سواء بالصورة أو الكلمة أو الاثنين معا, فتعاظمت ذوات البعض فيها بتزايد عدد المعجبين بما يقولون ويفعلون، وبعدد الذين يتابعونهم عبر هذه المواقع الالكترونية ولا يهم إن تحايلوا على التكنولوجيا الحديثة ورفعوا عددهم من خلال عمليات تضليلية للرفع من مستوى "مكانتهم" في المجتمع، ولتعزيز إعجاب الغير بذاتهم وهذا ما جعل العديد من الباحثين في مجال الإعلام والاتصال وعلم النفس الاجتماعي يعتقدون أن مواقع الشبكات الاجتماعية أصبحت تعلم النرجسية وحب الذات وتغتال العقل عبر استهلاك التفاهة.

وفي هذا الإطار يشير الكاتب السوري “عماد فوزي شعيبي” إلى ضرورة التمييز بين "الأناوية"  نسبة إلى "الأنا"  والنرجسية التي تبنيها هذه المواقع الاجتماعية في شخصية الفرد , فــــــــــ"الأنا" هو معطى طبيعي يظهر مع الولادة ويصبح ذاتا بعد أن تتشكل اجتماعيا؛ أي باكتسابها قيما وعادات وسلوكيات فـــــــ"الأناوية " هي التفكير في الذات بعيدا عن النرجسية وحب الذات؛ أي رؤية الشخص للعالم من خلال نفسه.

وفي دراسة حديثة للفيلسوف الكندي الشهير "ألان دونو" التي نشرها في كتاب له تحت عنوان "نظام التفاهة" قد كشفت نتائجها أن الأشخاص المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي يميلون بشكل كبير الى الاهتمام بالتفاهة  وبكل ما يثير الغرائز وحب الظهور , وجاء أيضا في البحث الذي أجراه باحثون من جامعة جورجيا الأمريكية أنَّ مستخدمي هذه المواقع الاجتماعية أصبحوا يفضلون متابعة المحتويات التي تستجيب لمزاجاتهم الشخصية وتشبع رغباتهم فقط في التسلية والترفيه.

وفي هذا الإطار أيضا نجد الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية "سارج تسيرون" يعتقد أنَّ كل شخص من خلال هذه المواقع الاجتماعية أضحى يلبس حسب مزاجه, فقد يرتدى بذلة الرياضة دون أن يكون رياضيا، وبذلة راقية من أشهر الماركات العالمية دون أن يكون ثريًّا, والكل يعلم أن هذا الأمر ليس سوى لعبة تتحكَّم فيها الرغبة في بناء صورة  للذات حتى من خلال اللباس , فالهوية لا تتغير باختيار الثوب الذي يرتديه هذا الشخص, فعندما يقف أمام المرآة  فهو لا يريد أن يتنكر، بل يبحث عن سبيل لاكتشاف ذاته أكثر لأنه يحبها ويريد أن يكون من يحبونه مثله تماما وهذه قمة النرجسية ولها تداعيات سيئة خطيرة على علاقاته الاجتماعية وعلى إدراكه لواقعه ومستقبله.

ويحذر الخبراء من تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على مكونات الشخصية والتوازن النفسي لمستخدميها وأيضا على اتجاهاتهم السلوكية والمزاجية ، ولذا فيجب علينا نحن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي أن نختار من ما ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي كل ما يتناسب مع توجهاتنا وقيمنا وينمي في ذواتنا الرؤى الإبداعية للتغيير والتطور بعيدا عن استهلاك التفاهة وحب الذات اللذان يعطلان مسار التفكير المتوازن ويقيدان حركة الفعل الحضاري في مجتمعاتنا .