تاريخ التعديل
سنتان 6 أشهر
 الدكتور عبد الواسع الحميري

 

"التّأثير في اللغات الأخرى مرهون بمدى قدرة أبنائها على التأثير في الناطقين بغيرها. فالأمّة المهيمنة سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّا وحضاريا هي الأمة القادرة على فرض تأثير لغتها على لغات الآخرين".

هذا ما ذكره عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الانسانية الدكتور عبدالواسع الحميري من خلال الحوار التالي.

 دكتور عبدالواسع كيف ترى تأثير اللغة العربية على اللغات الأخرى وتأثيرها على أنماط التفكير؟

 إذا كانت اللغة؛ أية لغة, هي وسيلة التواصل بين أفراد الأمة الواحدة, وهي جسر التّواصل الثقافي والحضاري بين الأمم والشّعوب المختلفة, فهذا يعني أنّ قدرة أيّة لغة على التّأثير في اللغات الأخرى مرهون بمدى قدرة أبنائها على التأثير في الناطقين بغيرها.

فالأمّة المهيمنة سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّا وحضاريا هي الأمة القادرة على فرض تأثير لغتها على لغات الآخرين, حين تصبح لغتك الأم هي لغة العلم, لغة الإنتاج, لغة الصّناعة, لغة التّجارة, لغة الاقتصاد, لغة إنتاج العلوم والمعارف في مجالات الحياة المختلفة عندها تغدو لغتك هي اللّغة المهيمنة على لغات الأمم الأخرى المستهلكة لمنتجاتك.. إذا أردت أن تعرف مدى تأثير لغتنا العربيّة في اللغات الأخرى, عليك أن تعرف مدى تأثير أمّتنا في الأمم الأخرى ذوات اللّغات الأخرى؛ سياسيا واقتصاديا وثقافيا؛ صحيح أنّ لغتنا العربيّة تعدّ اللّغة الرابعة في ترتيب اللغات في العالم, لكنها, كغيرها من المؤسّسات الاجتماعيّة, تخضع لجملة من الضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة, أو لمزيج من هذه الضّغوطات مجتمعة.

 هل تعني أن لغتنا العربية في مأزق؟

 أعتقد أن اللغة العربية باتت تواجه تحديّات كبرى؛ لها علاقة بحضور لغات الآخر وثقافته, في حياة أجيالنا الجديدة, حضوراً مهيمنا مدعوماً بكل وسائل نفوذه وهيمنته العلمية والسياسية والاقتصادية... إلخ .لقد بات الخطر كبيراً على أجيالنا الجديدة (القادمة)، من حالة الاغتراب التي تهدد علاقتهم بلغتهم الأم، نظراً لمداهمة هذه اللّغات هذا الجيل حتى في بيوتهم, وغرف نومهم. ولعل من أجلى مظاهر هذا المأزق: تراجع الاهتمام المؤسّسي (الرّسمي) باللغة العربية في الكثير من المؤسسات التعليمية في الكثير من بلداننا العربيّة، رغم أنّها المكوّن الرّئيس للهويّة العربية، والأقوى في حفظ تراثنا، والأقدر على تخطي حاجز اللّهجات المتعدّدة والتواصل الفاعل بين الشعوب الناطقة بها... مقابل الاهتمام باللغة الإنجليزية التي أصبحت لها الأفضلية في الجامعات والمؤسّسات وسوق العمل.

في رأيك كيف نحافظ على اللغة العربية؟

 نحافظ عليها بتكريس حضورها في أروقة المؤسّسات الرّسمية المختلفة, واعتمادها لغة للتّخاطب الرسمي حتى مع الجهات النّاطقة بغيرها, إضافة إلى جعلها لغة البرامج التّعليميّة في مراحل التّعليم المختلفة, مع ضرورة تشجيع الإقبال على تعلمها وتعليمها في مستواها الفصيح.

- اشتراط تعلّمها وإجادة الحديث بها؛ نطقا وكتابة على كلّ من نمتلك القوة الكافية لفرض شروط تعلّمها عليه, بمن في ذلك طالبو الحصول على الإقامّة في بلداننا العربيّة, وبخاصّة تلك التي تمثّل وجهةً اقتصاديّة للمستثمرين والعمالة الأجنبيّة.

-كلّ دول العالم المتحضّر تخصّص ميزانيّة لدعم لغتها الأم, وتوسيع مجالات استخدامها, واقتراح برامج خاصة لتحديثها وإثراء معجمها، وفرض شروط هيمنتها على اللغات الأخرى المنافسة لها .

-وهنا يجب التنويه إلى أهمية مركز الملك عبدالله للغة العربية الذي جاء استجابة لهذه الحاجة, إضافة إلى مبادرة إنشاء وحدات اللغة العربية لتعليم غير الناطقين بها في جامعات المملكة, بما في ذلك جامعتنا العريقة؛ جامعة الملك خالد التي بادرت لإنشاء هذه الوحدة, لتنيط بها استقطاب الدارسين فيها من أنحاء العالم الإسلامي, وتأهيلهم التأهيل الكافي لحمل رسالة اللغة العربيّة, التي هي رسالة الإسلام العالمية الخالدة .

-يجب على نظام التعليم العربي أن يحافظ على سيادة اللغة العربية, وألا يسمح بتعليم الطفل أية لغة أخرى غير لغته الأم, قبل أن يتجاوز مرحلة التعليم الأساسي, وذلك حتى لا تطغى اللّغات الأخرى على لغته الأم, فينشأ الطفل مغتربا في وطنه, غريبا بين أهله, عاجزا عن التفاعل الإيجابي مع أبناء وطنه. نقول هذا, لأننا قرأنا وسمعنا عن أحوال أشخاص تلقوا تعليمهم- في مراحله المختلفة- باللغة الإنجليزية, وعلى أيدي معلمين أجانب؛ لا يتحدثون اللغة العربية, فوجدوا أنفسهم- بعد التخرج- عاجزين عن التّعبير عن أنفسهم باللغة العربية بسهولة، ما جعلهم يبذلون جهودا مضاعفة في سبيل إعادة الاعتبار للغتهم الأم, والاستفادة المثلى من خبرتهم اللغوية باللغة الأخرى, في تطوير مهاراتهم وزيادة نموهم الفكري.

 ما هي العلاقة بين اللغة والفكرة والثقافة؟

 لا أبالغ إن قلت: إن اللغة؛ في بعدها الأنطولوجي, هي الفكر, وهي الثّقافة, ومن ثمّ, هي الإنسان, في حضوره الماثل, وليست مجرّد (وعاء) للفكر والثقافة, أو مجرد أداة يعبر بها الإنسان عن أغراضه, كما يحلو للبعض أن يصف علاقة اللغة بكلّ من الفكر والثقافة والإنسان؛ لأنّ فكرة (الوعائيّة) الرّائجة هذه تقتضي انفصال طرفي هذه العلاقة بعضهما عن بعض؛ وقيام كلّ منهما مستقلاً بذاته عن الآخر, وهذا ما لا يكون بالنّسبة لطرفي هذه العلاقة بالذّات. لذلك يمكن اعتبار اللغة؛ في بعدها الأنطولوجي, شكل وجود الفكر والثقافة والإنسان. إنها- حسب تعبير الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر" بيت الوجود"؛ فيها يقيم الإنسان, وعبرها ينسج شبكة علاقاته بكلّ ما حوله ومن حوله.  

بحكم تخصصكم دكتور عبدالواسع في اللغة العربية كيف ترى وسائل الاعلام في تنمية اللغة العربية والمحافظة عليها ؟

لا شك أنّ لوسائل الإعلام المختلفة دورا مهما في تنمية الوعي باللغة العربية وأهمية المحافظة عليها, لاسيما تلك الوسائل المنضبطة التي تخضع لإشراف ورقابة وتوجيه الجهات المسؤولة, أما وسائل الإعلام المنفلتة التي تخضع لأمزجة ومواقف أصحابها أو القائمين عليها, فلا شك أنها تلعب دورا سلبيا على صعيد علاقتها باللغة والثقافة.

حدثنا يا دكتور عن أول دفعة من طلاب الماجستير في اللغة والأعلام؟

 هي دفعة مبشرّة حقّاً؛ تضاف إلى رصيد جامعة الملك الخالد, وتمثل إسهاما مهما منها في النهوض بالحركة الإعلامية في المملكة. ولقد كان لي عظيم الشرف أني اشتركت, مع نخبة من الزملاء الباحثين في مجالي اللغة والإعلام في إعداد هذا البرامج, ثمّ صحبت طلاب هذه الدّفعة بتدريسهم مقرر تحليل الخطاب, ورأيت في كل منهم صورة الطالب الجاد المثابر المتطلع لمستقبل أفضل له ولوطنه العزيز والغالي على نفسه, وعلى نفوسنا جميعا. أشدّ على أيدي أبنائي طلاب هذه الدفعة طالبا طالبا؛ وأبارك لهم وللجامعة ممثلة في كلية العلوم الإنسانية عمادة وهيئة تدريس هذا الإنجاز, داعيا للجميع بالتوفيق والسداد في مشارعيهم الخاصة والعامة.

 هل لديك أي طموحات يا دكتور أخرى تتمنى تحقيقها أثناء تواجدك في جامعة الملك خالد؟

 طموحي هو أن يديم الله على هذا البلد المبارك نعمة الأمن والاستقرار, وأن يعمّ الحبّ والسّلام ربوع وطني الحبيب اليمن وأن تعود إليه لحمته؛ أرضا وإنسانا.

ما هي رسالتك للطلاب المهتمين بالتقديم على برنامج الماجستير في اللغة والأعلام بجامعة الملك خالد؟

أقول لأبنائي الطلاب الراغبين في الالتحاق بهذا البرنامج: الإعلام رسالة إنسانية ودينية؛ أخلاقية ووطنية, فكن جديرا بحمل هذه الرّسالة, وإلا فدعها.... أن تكون إعلاميا فأنت رسول الحقيقة إلى من يرغب في سماعها وإلى من لا يرغب, فهل أنت مستعد لحمل رسالة الحقيقة, ودفع أثمانها.

 

السيرة الذاتية

  عبد الواسع أحمد عقلان الحميري،

كاتب وناقد أكاديمي من اليمن، ولد عام 1958م في قرية بني سلمان- شرقي حمير- مديرية الرونة - محافظة تعز. أتمّ دراسته الابتدائيّة في مدارس القرية, ثمّ واصل دراسته الإعدادية والثّانويّة في مدارس صنعاء, حصل على الشّهادة الجامعيّة عام 1986م, وفي عام 1991م حصل على درجة الماجستير في اللغة العربيّة وآدابها من كليّة الآداب جامعة صنعاء, ثمّ درجة الدّكتوراه عام 1996م من جامعتي صنعاء وعين شمس بالقاهرة، وترقّى إلى درجة الأستاذية عام 2008م - يشتغل على مشروع نقديّ طموح, يستهدف خلاله تفكيك خطاب الثّقافة العربيّة بكافّة أشكاله وتجلّياته: بدءاً بالخطاب الإبداعيّ (الشّعريّ والسّرديّ) فالخطاب السّياسيّ والاجتماعيّ والدّينيّ والتّاريخيّ, إضافة إلى الخطاب الواصف في تاريخ الحضارة الإسلاميّة, تميّزت كتابته النّقديّة عموما بالرّصانة والعمق, يجمع بين التّنظير والتطبيق في حركة كلية مفتوحة على كلّ جديد مفيد على صعيد الفكر والثقافة النّقديّة الحداثيّة. -المناصب التي تولاها: -عمل أستاذا للأدب والنقد في جامعة صنعاء. -عميدا لكلية الآداب والتربية والعلوم في كل من صعدة ومأرب. -يعمل حاليا أستاذا للدراسات.

 

عبدالرحمن الزهراني