الدكتور فوزي صويلح: التطورات المتسارعة في التقنية وإنجازاتها العالمية فرض هيبته وسلطته على اللغة العربية

نائب المشرف العام
تاريخ التعديل
4 سنوات 8 أشهر
د.فورزي صويلح

أوضح الدكتور فوزي علي صويلح من قسم اللغة العربية بالجامعة أن للجوائز التي يحصل عليها الفرد، أثر نفسي وعلمي لتمثيل الشخصية الإنسانية وتقديرها لدى الذات والآخر، كما أنها إحدى وسائل الكشف المعرفي وحل المشكلات التي تشغل الباحثين والخبراء في مجالات شتى من المعرفة.

«أفاق» ألتقت بالدكتور فوزي صويلح ليحدثنا عن الجوائز التي حصل عليها ومدى تأثيرها على مشواره العملي.

حدثنا عن فوزك بجائزة الشيخ راشد بن حميد؟

في البداية أرحب بك وبصحيفة آفاق، ولي الشرف أن أكون ضيفًا عليها في هذا اللقاء الصحفي، كما يسرني التعبير عن شكري وامتناني لكم على تهنئتكم لي بالفوز بجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في حقل النقد الأدبي، ( الدورة الـ36) 2018/ 2019، وأقدر جهدكم في النشاط الإعلامي الذي يرصد أنشطة الجامعة وينقلها إلى المجتمع، ويواكب مساراتها العلمية والأكاديمية .

أما فيما يخص فوزي بالجائزة فإني أحمد الله - أولا وأخيرا - وأشكره الذي أسبغ علي نعمته وفضله، وأكرمني بهذه الجائزة المباركة، وهي المرة الثانية.

 إذ سبق لي الفوز بالجائزة الأولى في الدورة الرابعة والثلاثين 2016/2017م، والجدير بالذكر أني تقدمت أربع مرات، وفزت مرتين، فاز بحثي الموسوم ب(لعبة الراوي وتحولات الموقع في رواية طوق الحمام) للروائية السعودية رجاء عالم  في الدورة  الـ 34عام 2017م،  ونال بحثي الموسوم ب( تقنيات الحجاج في سيرة عباس محمود العقاد) الجائزة الأولى هذا العام 2019، وقد حمل هذا البحث هم الذات وما يتنازعها في المدونات السردية من هموم الحياة المختلفة.

 كيف ترى انعكاس مثل هذه الجوائز على الثقافة والبحث العلمي ؟

لاشك في أن للجوائز أثرها النفسي والعلمي لتمثيل الشخصية الإنسانية وتقديرها لدى الذات والآخر، كما أنها إحدى وسائل الكشف المعرفي وحل المشكلات التي تشغل الباحثين والخبراء في مجالات شتى من المعرفة، سواء أكانت في العلوم الإنسانية أم التطبيقية، ذلك أن إنتاج (35) بحثا فائزا في الطب والعلوم التطبيقية والعلوم التربوية والنفسية والفنون والإبداع والنقد الأدبي من إجمالي ( 260) عملًا قدمت للمنافسة على جائزة راشد بن حميد من دواعي النظر لتوسيع دائرة المنافسات لمثل هذه الجوائز في الجامعات السعودية، ولجامعة الملك خالد جهودها الحثيثة في تشجيع الباحثين في مناشط مختلفة أهمها تمويل البحوث العلمية، ونشر ثقافة التميز وتشجيع المواهب بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وعلى الرغم من هذا الجهد المشهود في الجامعة ما زلنا نطمع للمزيد من هذه المناشط المحفزة، لأن الجوائز فعل مؤثر، ونشاط فعال.

إذ تصاغ الأعمال الأدبية أو تنشأ البحوث الإنسانية بمواصفات أكثر إيجابية من غيرها باعتبار ما يشغل الأديب والناقد من شروط المنافسة الصارمة التي تحقق الجودة في العمل الأدبي أو المقاربة النقدية.

كل ذلك يخدم العلم، ويعكس مواكبة المؤسسات العلمية ذات العلاقة للتطورات المشهودة في العالم، ولاجرم أن هذه الإجراءات تنعكس بمواصفاتها إيجابيًا على الباحثين بما هم عليه من القدرة على التنافس، وخلق الرغبة في أنفسهم للإبداع، ومن ثمَّ فإنها تمنح الفائزين طاقة عالية وقدرة هائلة لإنتاج المزيد من الأعمال الأدبية والنقدية، وكلها تخدم الفكر الإنساني، وتسهم في استكشاف الظواهر العلمية، وترفد القطاع البحثي في الجامعة.

على هذا النحو اختمرت في وعينا الرغبة في المشاركة والمنافسة على جائزة راشد بن حميد في النقد الأدبي.

ماهي الرؤيا التي انعكست لديك عن النقد الأدبي في عالمنا العربي ؟ 

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن العلوم الإنسانية والتطبيقية في البلدان العربية حالة متذبذبة بين القوة والضعف، ويبدو أن القوة تتجلى من خلال الحيز الذي تشغله الجامعات العربية في سلم تصنيف الجودة العالمي للجامعات المتميزة، وهي محمودة بكل أبعادها وخاصة في التخصصات التطبيقية استنادا إلى براءات الاختراع بوصفها مؤشرات دالة على هذا التقدم.

ومن هذا المنطلق فإن النقد الأدبي كغيره من العلوم له مساحة مضيئة تعززها كتب الترجمة والنقد، وله جانب رمادي، ما زال يتلمس الطريق المستنير، ويهتدي إلى مسالك أكثر نجاعة، تتجاوز الركون إلى الماضي في كل شيء، ويتوخى الفائدة من المناهج النقدية الحديثة دون التسليم بالوافد، وتقديسه. صحيح أن النقد الأدبي في العالم العربي إجمالًا مقارنة بالغرب لا يسر المتابع، ولا يبشر المتأمل؛ إلا أن ثمة جهودًا مباركة في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج العربي والمغرب ومصر تحمل بشرى خير، وتعد الجوائز والندوات والمؤتمرات والورش العلمية وفتح أفق الدراسات العليا في جامعاتها  مؤشرات صحية على كثير من التطور في المنتج الإبداعي والنظريات النقدية والممارسة الإجرائية، إذ حملت همومًا كثيرة في جوانب شتى: السياسي والإنساني والاجتماعي، ومضت في التعبير عن القضايا الوطنية داخل المملكة وخارجها، واحترفت الكثير من الأعمال النقدية برؤية وعمق.

الأمر الذي يحتم علينا في سياق المنافسة ومواكبة التطورات المشهودة بذل المزيد لملاحقة النظريات العلمية الحديثة، وإحياء المكتسب برؤية ثقافية جديدة تتعاطى مع الواقع، وتطويعها لخدمة المستقبل، وكذلك يلزمنا الانفتاح على الجمهور العربي في نقدنا، وإجازة الصحيح غير المعتل من الآثار النقدية التي تؤسس للواقع وتنتج المعرفة ولا تخذلها، ونتجاوز السطحية والنأي بأنفسنا عن  نقد المجاملات.

أشرفت على رسائل جامعية كثيرة كيف ترى مستقبل النقد الأدبي من خلال هذه الرسائل؟

طبقًا لقواعد البحث العلمي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، والغاية من إنشاء الدراسات العليا؛ فإن قسم اللغة العربية بكلية العلوم الإنسانية كغيره من الأقسام في الجامعات السعودية خاصة والعربية عامة قد تهيأت له أسباب الفاعلية، والتقدم في كثير من المساقات، ونال درجة عالية من الاحترام والتقدير في مناقشة خطط البحوث، واستحالتها رسائل علمية لها مواصفاتها العلمية القديرة التي تتوازى في شروطها مع لوائح الجامعة وقواعدها، وهي بهذه الشروط تعد ملمحا جديرا بقياسها ضمن مؤشرات الجودة، وإن بدت ملامح الضعف في بعضها أو لم يكتب لبعضها التميز فإنها لا تخلو من فائدة، ولم تتعال على الشروط المنوطة بها.

 ولم تغادر المنصة المعدة لتجهيزاتها، على النحو الذي يسهم في إعداد طلبة الماجستير نحو مزيد من التدريب والتأهيل والاحتراف لمبادئ البحث العلمي في مرحلة الدكتوراه، تلك هي النظرة التي تتجاذبني في سياق المتفائل، وتخرجني من بين المتشائمين.

عندما نطلق على الأدب لقب فن فماذا نسمى النقد الأدبي؟

بمقتضى سؤالك: إذا كان الأدب فنا، فماذا نسمي النقد ؟ يمكن القول: إن جدلية العلاقة بين  الأدب والنقد تأخذ مسارا متكاملا  بوصفهما ثنائية متلازمة، أو على الأصح فهما وجهان لرؤية واحدة لا يستقيم الأدب إلا بلغة مسكوكة تفرض قواعدها على الأديب ويظل محكوما بقواعد من شأنها أن تبعث الحياة في إبداعه، أو يتنفس من رئة الجمال، ويأخذان في هذا السياق صورتين متكاملتين وفق نسقية متوازية من السمات والتوصيف، إذ يعد الأدب صورة باذخة للفن طبقًا لاشتراطات الفنون ومقوماتها، ذلك أن الأدب مرهون بالتصوير الفني، وله شرط التأثير وتحقيق الإمتاع والإقناع، ويختمر في ملكات إبداعية، تصوغه وتنتجه في قوالب خاصة، لها قوتها التأثيرية على المتلقي ولها سحرها البديع في مخياله.

وسبيل الكلام - كما نص على ذلك عبد القاهر الجرجاني سبيل الصياغة والتصوير، وبذلك فإن الأدب فن بامتياز، فإذا انتقل إلى منصة العلوم ونال تعريفات اصطلاحية صار فنا وعلما يدرس ضمن مقررات ومساقات أكاديمية لها قوامها المنهجي، وقواعدها العلمية. أما النقد في تصوري فهو علم الأدب، إذ لا نقد بلا أدب، باعتبار أن الأدب سابق للنقد، ولا يقوم إلا به، إذ ينشأ في سياق المراقبة للنشاط الإبداعي.

 وكل ذلك يجري طبقًا لأحكام وآليات صارمة يتخذ من أدواته مشغلا لاختبار الظاهرة الأدبية في مظانها الإبداعي فهو علم له قواعده، وعلاوة على ذلك فإن الكتابة الأدبية الإبداعية تعد ممارسة للمتغيرات وتوجيهًا للمتحول والنوعي من الأفكار والتصورات.

في ظل الغزو الإلكتروني والتقني السريع الذي نعيشه كيف ترى تأثيره على لغتنا العربية بصفة خاصة ؟

لا شك في أن التطورات المتسارعة في التقنية وإنجازاتها العالمية قد فرض هيبته وسلطته على اللغة العربية وعلى غيرها من اللغات، وغدت المناشط الالكترونية والبرمجيات أكثر انفتاحا على قواعدها وأساليبها، وبالفعل فقد أفادت العربية من هذه البرمجيات والمحركات البحثية، في التخزين والتوصيف الالكتروني، من حيث الإدخال والإخراج على الحاسوب، والمكتبات الرقمية، والترجمات الفورية الذي يقدمها محرك جوجل وغيره، وتحليل النصوص الصرفية، وبرامج الذكاء الاصطناعي، على نحو يعكس التفاعل مع هذا المتغير العصري الجديد. ولكن ينبغي أن تتحمل الأمة مسؤوليتها تجاه اللغة العربية والجامعات العربية في مقدمتها حتى لا يتسرب التأثير الشديد من خلال المحتوى الرقمي، واللغة الإنجليزية ذات الاتساع العريض والهيمنة العالمية على برمجيات الحاسوب، والشبكة العنكبوتية. فالمسؤولية مشتركة بوصفها مسألة هوية وانتماء، إذ لا أخفيك من خشيتي على الجيل القادم من الاندفاع الضخم نحو شبكات التواصل الاجتماعي، والإقبال على الغث والسمين من المعلومات والأنشطة الالكترونية، والألعاب الالكترونية والأفلام التي تهدف إلى مسخ الجيل المسلم، وطمس هويته العربية والإسلامية.

 إننا بحاجة ماسة في زمن نوعي إلى إعداد برمجيات وإنشاء تطبيقات عربية تواكب هذا الانفتاح، وتعزز البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات في البلاد العربية، باعتبار أن ضعف البنية تقوض حركة الثقافة، وتتيح فرصة لموجة العولمة والترويج لفكر عالمي واحد بلغة عالمية واحدة، وهذا ما نشهد يومًا بعد آخر، إذ يقدم الآخر الغربي عبر لغاته المعترف بها دوليًا قدرًا هائلًا من المعلومات في مجالات شتى ومنها الفكر الإنساني، وإشاعة فلسفات غربية كثيرة، لها أبعادها العالمية التي تخدم اتجاهًا واحدًا، وهذا يجعلنا أمام خشية كبرى على توجيه الجيل  وغرس القيم المادية والانسلاخ من المبادئ العربية الإسلامية والثوابت الإسلامية. وفي الحقيقة نحتاج قوة دفاعية فكرية لتحصين الجيل من هذا التدهور، وحراسة الثغر العربي وحماية لسانه البياني من الالتواء والانحراف.

كلمة أخيرة توجهها لطلاب الجامعة؟

لا يغب عني توجيه النصيحة إلى طلابنا في قسم اللغة العربية والأقسام الأخرى في الجامعة بضرورة التركيز أكثر على تحصيل دروسهم، واستثمار الإمكانات التي وفرتها الجامعة لهم ،والكفاءات التدريسية في وعليهم إدارة وقتهم كما ينبغي.

ذلك أن الطالب الجامعي يعيش مع التقنية الحديثة (الجوال على وجه التحديد) حالة من التبذير في التفكير فيما لا يعود عليه بالفائدة، وينفق وقته بإسراف فيما لا يخدم المعرفة، ونسي حظا وافرا مما يمكن استغلاله واكتساب المعرفة من مظانها وأوعيتها الحديثة، كما يجدر بي أن أقدر الجهد الذي تبذله جامعة الملك خالد لتطوير التعليم الجامعي وتحقيق الجودة في نواتج التعلم  لخدمة الدين والوطن، إذ يساق هذا التصور ضمن رؤية ناهضة بمسيرة التعليم والنهوض بالعربية وتعزيز حضورها في الدرس النقدي والأكاديمي.