الدكتورة آمال محمد: التاريخ أبو العلوم ولا مناص من دراسته
لكل علم أسس ولكل أسسًا فروع ولكل فروع أشخاص بذلوا مجهودا كبيرا لتحقيق النجاح والبروز لهذا العلم فكانوا قادة فيه ورواد له ومن هؤلاء الأشخاص أساتذة ومعلمين ودكاترة ونحن من مكاننا هذا نستقي بعض من معرفة وعلم الأستاذة المساعدة في تخصص التاريخ الدكتورة آمال محمد سعد النور موسى لتحدثنا عن رحلتها العلمية والعملية.
حدثينا عن رحلتك التعليمية.. كيف ومتى بدأت؟
بدأت منذ عام 1978 وانتهت في عام 1994 وقد كانت خطتي التعليمية لا تعتمد فقط على حضور الصفوف الدراسية فقد بل كانت دراسة تنوعيه من البحث والاطلاع والدراسة الميدانية في المتاحف والمواقع الأثرية وهذا ما زاد متعتي وتعلقي بالتخصص، وأنا أدعو لهذه الطريقة في التعليم والتي تزيد المتعة لدى الطالب للتعلم، كنت تخصصت في الماجستير في الحديث والمعاصر وذلك بسبب شغفي لهذا المسار تحديدا وبالأخص أنني من المحبين للتاريخ البريطاني، وكنت قد قدمت رسالتي للماجستير عن الحكم الثنائي في عهد الخليفة عبدالله التعايشي ،أما الدكتوراه فكانت عن الحركة الوطنية السودانية من 1930 وحتى 1956.
اختيار تخصص التاريخ عن رغبة أم بدافع العلم فقط؟
بحكم أن والدي كان كثير الاطلاع فقد أثر علي فغالب ما كنت أطّلع معه على كتب التاريخ بشتى مجالاتها وعناوينها فتولد حب التخصص داخلي، لكن لأصدق القول لم يكن التاريخ رغبتي الأولى عند بداية دراستي الجامعة فقد كنت أتمنى أن أدخل اللغة الإنجليزية يليها التاريخ، لذا استطيع القول بأني استمريت في دراسة التاريخ برغبتي وشغفي له.
نشهد تطور على كافة الأصعدة والمجالات، هل لتخصص التاريخ أهمية في المستقبل؟
العلوم كافةً والتاريخ بشكل خاص أطمح أن يكون هناك دعوة للتنوع في العملية الدراسية، فبدلًا من أن ينحصر الطالب في تخصص واحد يكون لديه نوع من التنوع في الدراسة بأن يدرس أكثر من تخصص مرتبطين في بعضهم، ففي التاريخ يدرس بجانبه مثلا الإدارة أو السياحة، وذلك بهدف إخراج جيل نعتد عليه في المستقبل وضمان استمرار نهضة الأوطان، بالإضافة أن ذلك سيدعم الطلاب في حياتهم الشخصية والعملية.
دكتورة آمال من خريجات 1994 وعملت في المهنة ما يقارب 20 عام، هل التطور الحاصل في دراسة التاريخ مرضي؟
بالطبع غير مرضية فلا زال الجميع في مختلف الجامعات يتبعون الطرق القديمة للتدريس إلا أن هذا الأمر لا يجدي نفعاً خاصة عن النظر إلى أعمار الطلاب، فلابد من تطوير تصورنا نحن عن دراسة التاريخ ثم نطور أساليب دراسته فلا بد أن يكون هناك تنوع في الدراسة، مثلا؛ بدل الاكتفاء بالدراسة من خلال إعطاء المحاضرات فقد لابد من وجود نوع من الدراسات الميدانية والبحثية لتطوير وتوسيع مدارك الطلاب، مثلا أن يكون هناك تقسيم للمراحل التعليمية ليكون هناك دبلوم تاريخ عام ثم تطوير للبكالوريوس بمسار جانبي مثل الماجستير أو ممكن إضافة دبلومات جانبية مثل دبلوم السياحة دبلوم فندقة وهكذا، وليس فقد في دراسة التاريخ بل في كافة التخصصات.
ما نصيحتك لطالبات المرحلة الثانوية اللاتي يطمحن للانضمام لقسم التاريخ؟
لا بد أن يهتموا بالبحث والاطلاع في شتى المصادر للتعرف أكثر عن التاريخ أو أي تخصص آخر، لا أستطيع أن أصفه بنظري لكوني محبة له فبالتأكيد سأجعله مثل تناول الطعام ببساطته لكن من تبحث وتختبر رغبتها في التخصص تستطيع الدخول بكل رضا، والأمر الآخر هو أن لا يدخلن أي تخصص بدون رغبة مهما كان التخصص فمن يرغب ويهوى الشيء يستطيع تعلمه وتقبله.
ما خططك المستقبلية في حال ترك مهنة التدريس؟
أنا لازلت متمسكة في المهنة حتى الآن، لكن إذا كنت سأتنازل عنها يوماً ما فسيكون بهدف التفرغ لأعمالي الأدبية الأخرى من الأبحاث والكتب لأن هذا هدفي الآخر في التعليم إن لم أستطع التدريس يمكنني تأليف ما يدعم التدريس من مقررات ومناهج علمية للمواصلة في أن أكون جزء من العملية التعليمية حيث أن ذلك بناء على رغبتي الشخصية.
بما أنكِ تدعمين تعلم التاريخ وتطويره هل سنراكِ مستقبلا مؤرخة؟
إن شاء الله بمجرد تقاعدي سأتفرغ بالكامل لتأليف الكتب والأبحاث.
هل من الممكن أن يكون ناقل الحدث قديما يحرّف أو بمعنى أدق لا ينقله بشكله الصحيح؟
نعم من الممكن أن يكون عند راوي الحدث تحيز ولا يتصف بالنزاهة فلا بد على المدون أن يتنوع في أخذ المصادر لكي يصل للحدث الحقيقي.
ماهي العوائق التي واجهت آمال الطالبة في رحلتها العلمية؟
كل مرحلة عمرية تمر بعوائق شديدة تختلف قوتها باختلاف العمر والنظرة الشخصية لها، إلا أن أهم العوائق التي مررت بها وأتذكرها هي فترة تجهيز رسالة الدكتوراه والتي كانت تتطلب استبيان وبحث ميداني لجمع المعلومات بشكل شفهي، فقد واجهتني الصعوبة في ذلك بسبب أن من كان لديه من المعلومات من فئة كبار السن والذين يصعب الحديث معهم بأمر محدد، إلا أن تلك الفترة لم تكن عائق كبير بالنسبة لي بل كنت قد ملئتها بالمتعة أكثر وجمعت منها الذكريات القيمة بالنسبة لي.
من القدوة والداعم للدكتورة آمال؟
كنت قد نشأت في عائلة يحفها العلم من كافة جهاتها، والدتي وخالاتي كانُ ووالدي كان محباً للعلم والثقافة فقد كان يملك مكتبة في المنزل ويحثنا دائما على القراءة والاطلاع وهذا ما انعكس علي في تمسكي بالعلم والتعلم أكثر وأكثر.
كيف جاء اختيارك لممارسة مهنة التعليم وخاصةً التعليم الجامعي؟
بشكل شخصي محبة للمهنة وقد تأثرت أيضا بوالدتي وخالاتي اللاتي كن معلمات، لذا أستطيع القول أنني دخلت المجال عن شغف، كما أنني بعد التخرج من مرحلة البكالوريوس كنت قد عملت في مدرسة كمعلمة تاريخ للمرحلة الثانوية لمدة عامين وتركتها بمجرد بدء مرحلة الماجستير، بالإضافة إلى أن التدريس مهنة إنسانية بحتة فأنا لا أعطي علوم فقد بل أني أقدم معارف حياتية تربوية وإنسانية فهو مهنة الأنبياء إلا أن التعليم الجامعي يختلف عن التعليم الثانوي، فالتعليم الجامعي لا ينتهي بانتهاء أوقات العمل بل يستمر بالمتابعة والتعلم الشخصي قبل تعليم الطلاب فلا بد أن يكون العامل يؤهل نفسه بكثرة الاطلاع والبحث والدراسة المستمرة فهو صعب إن لم يكن عن رغبة، وعلى صعوبته إلا أنه مهنة تتيح الفرص لمعرفة أجيال مختلفة وأفكار ومبدعين كُثر، لذا أستطيع القول أني اتخذتها مهنة عن حب ورغبة.
ما أهمية التاريخ في المستقبل؟
التاريخ كما قال ابن خلدون أعظم معلم للبشرية فمنه نأخذ العظة والعبرة والآراء وتسلسل أحداث الأمور سواء نشأة دول أو اختراع، التاريخ أبو العلوم فلا غنى عنه فهو الأساس لكل العلوم حيث أن دراسة أي علم يبدأ بنبذة التاريخية، بالإضافة إلى أن التاريخ مرتبط بوجود الإنسان ما دام الإنسان موجود فإن التاريخ مستمر، كما أن التاريخ يظهر لنا الحقيقة ويطلعنا على تجارب تفيد كما أنه يمكننا من تكوين أفكار عن بعض الأمور سواء في الحاضر أو المستقبل، فلا مناص من دراسة التاريخ.
حدثينا عن أبحاثك؟
أنا أملك ما يقارب 10 أبحاث منشورة في مختلف عناوين التخصص منها الدولة العثمانية كإمبراطورية في العالم الاسلامي، الحركة الوطنية السودانية في عهد الخليفة عبدالله التعايشي إلا أن آخر ما قمت به والأبرز بينها الأسلوب العقائدي لمكافحة الأوبئة وتعزيز الصحة العامة (فيروس كورونا نموذج الدراسة) نشر في مطلع عام 2021 في مجلة القلزم العلمية للدراسات التاريخية، وقد نشر في فترة الأزمة مما زاد انتشاره بسبب تناسبه مع الأحداث وقد نشرته من خلال مؤتمر، وبعيد عن البحوث فإن لي كتابين لها طابع أكاديمي في مرحلة الطباعة ستكون ضمن المقررات الدراسية إن شاء الله.
هناك الكثير ممن يجهلون تخصص التاريخ، ويصفونه بعديم الأهمية وأن لا مستقبل فيه ما مدى صحة هذه الأقاويل؟
لا وجود لعلم لا أهمية له فجميع العلوم مواكبة لتطور الإنسان وتفيدة، فإن نظرنا من جانب التاريخ فإن التاريخ هو المسرح والجغرافيا المسرحية وإن ربطناه بالإعلام فإن الاختلاف بين التأريخ والصحافة أن المؤرخ والصحفي يمارسون ذات العمل باختلاف الوقت فالمؤرخ يكتب الأبحاث الماضية بينما الصحفي ينقل الأحداث المتزامنة مع الفترة الحالية، وكما أن الصحفي لابد أن يكون لدية مصداقية وحيادية في نقل الأحداث فإن المؤرخ يمتلك مهنية عالية وحيادية في نقل وكتابة الأحداث، فالتاريخ مرتبط بكافة العلوم والمعارف فهو أساسها، كم أنه لولا التاريخ فإن هناك أمور ستختفي لا أحد سيعلم عنها كما أن التاريخ يدخل في محور حياة الإنسان الشخصية فكيف يمكن الاستغناء عنه ووصفه بعديم الأهمية.
انتِ تنقلين المعارف التي تملكينها للطلبة بمختلف الدرجات العلمية من الدبلوم وحتى الدكتوراه هل هناك نصيحة توجهينها لهؤلاء الطلبة؟
أولا: لطالبات التاريخ فإن نصيحتي الأولى ألا يدخلن التخصص إلا إذا عن رغبة أكيدة ثانيا: لا ينقطعن عن البحث والدراسة والاطلاع حتى بعد التخرج. إما لكافة الطلبة فإن ما أنصح به هو أولا الثقة بالنفس ليتمكنوا من التحضر لسوق العمل والحياة بشكل كامل، ثالثا: الحفاظ على المتابعة المستمرة والاهتمام بالدراسة وذلك لكي يتمكنوا من إنهاء مسيرتهم العلمية بما يرضيهم فمرحلة البكالوريوس ألطف وأروح مراحل الطلاب. رابعا: تعزيز المهارات وذلك من خلال تعلم بعضها وتطوير الآخر خلال حياتهم في الجامعة سواء على صعيد الدراسة أو الأنشطة الجانبية، خامسا العزيمة والإصرار وذلك للتخرج والتفوق والإنجاز في حياتهم، سادسا: الحرص على تنظيم الوقت فلا تفوق بلا تنظيم؛ بالتنظيم يستطيع الطالب التوفيق بين حياته ومستقبله والتأكد من نمو مستقبله بشكل جيد. سابعا الحد من الانشغال عن الدراسة وغالباً ما يكون ذلك بسبب الجوال فقد أصبح العدو الأول للإنجاز، ثامنا عدم إهمال الاطلاع والبحث المستمر في مجال الدراسة، تاسعا: ممارسة الرياضة وتعزيز الهواية فلا بد من التوفيق بينهم وذلك لأن الهوايات تنفع الطالب سواء للتخفيف التوتر لدى الطالب أو استخدامها في المستقبل كمهنة جانبية.
في بضع كلمات ماذا تقولين للطلبة عمومًا؟
اشيد بالتطور الحاصل في جامعة الملك خالد من ناحية الاهتمام في العملية التعليمية، وفتح الأفق الجديدة للطلبة فهي من الجامعات الرائدة والبحثية الداعمة للطلبة ولأعضاء هيئة التدريس، والجامعة لديها آفاق عالية فإن حاول الطالب لأن يطور من نفسه السير حسب الوتيرة التي تضعها الجامعة فإننا سنرى في القريب العاجل عدد من العلماء و العالمات من الجامعة.
بطاقة
الدكتورة آمال محمد سعد النور موسى
عضو هيئة تدريس برتبة أستاذ مساعد في جامعة الملك خالد تخصص تاريخ منذ 2013
حاصلة على درجة البكالوريوس والدكتوراه في تخصص التاريخ الحديث المعاصر
باحثة وكاتبة
قامت بعمل الكثير من الأبحاث ومن أبرزها: الدولة العثمانية كإمبراطورية في العالم الإسلامي، الحركة الوطنية السودانية في عهد الخليفة عبدالله التعايشي – الأسلوب العقائدي لمكافحة الأوبئة وتعزيز صحة العامة ( فيروس كورونا نموذج الدراسة ) نشر في مطلع عام 2021 في مجلة القلزم العلمية للدراسات التاريخية.
رحاب عبدالله، سراء الشهراني، العنود إبراهيم، ربى القحطاني