عائشة أبوطرفة.. تقاوم المرض بالرسم وهي في التسعين من عمرها

تاريخ التعديل
5 سنوات 6 أشهر
عائشة أبوطرفة.. تقاوم المرض بالرسم وهي في التسعين من عمرها

عماد عامر عسيري  
   
تجبرنا الحياة في لحظات عجز ويأس أن نستسلم للابتلاء، فنقف على حافة هاوية، بعد أن تتقطع بنا السبل عن مواصلة المسير، وفي مثل هذه المواقف يظهر لنا أشخاص يرون قصص كفاحهم ليقدموا لنا وصفة تجاوز المصاعب وبلوغ الأهداف، تاركين لنا أثر نهتدي به، فالعبر لا تتم إلا برصد تلك التجارب والاستفادة منها.
السيدة عائشة أبوطرفة، ذات الـ 90 عام، تخبرنا بتجربتها المريرة مع الإصابة بالشلل في أطرافها قبل أربع سنوات وكيف تجاوزت ذلك البلاء بممارستها هوايتها بالرسم، أن الإنسان يملك القدرة على الاستمرار والتجدد، فليس هناك عمرٌ يجبرنا أن نقف فيه ننتظر النهاية.
تبدأ قصة السيدة عائشة أبو طرفة مع الإصابة بالشلل في أطرافها قبل أربع سنوات، ثم تبعتها جلطة دماغية حدثت لها بعد عامين من الشلل، مسببة عجزا على تحريك يدها اليمنى.
وتلقت السيدة عائشة برنامجا علاجيا في مستشفى عسير بعيادة الطب المنزلي بقيادة الدكتورهشام وكادر طبي متخصص ساهما بعد الله في تعافي أبوطرفة، إذ تجاوز في عمله الطرق التقليدية بين الطبيب والمريض في تلقي العلاج، ونقل البرنامج الصحي للمريض إلى منزله، حيث يقوم الطبيب ومساعديه بجولات إلى منازل مراجعيه لتقديم العلاج ولتثقيف ذوي المريض، ويقوم على رعايته بما أطلق عليه «العلاج الوظيفي».
وتركت السيدة عائشة أبوطرفة بصمات الأمل لدى من عرفها بعد أن أظهرت للجميع مقدرة عالية على تجاوز الصعاب والمحن، حيث ما فتئت أن تترك لها أثر ايجابي، من تقديم إهداءات لكل من يزورها عبارة عن لوحات فنية قامت برسمها للقط العسيري.
وجاءت فكرة «العلاج بممارسة الفن» من الدكتور هشام الذي عمل هو وابن المسنة يحيى العاصمي على تشجيع المريضة على ممارسة شيء تهتم به فكانت بدايتها في العلاج بالرسم في فن القط العسيري.
وكانت في بداية محاولاتها تثقلها حركة يديها البطيئة، الا أن شغفها حملها على المواصلة، وعلى تحدي الصعاب، فكانت الخطوط التجريدية التي تتماثل وتتعاكس هندسة رسمها في نظر عائشة يتجاوز الفن والرسم، بل هو هوية وتراث يعيد لها ذكرى عاشتها بين هذه الأشكال التي نقشت، وكأنها تعود في كل عمل تقوم به لروحها الشابة.
ان هذا الفن لدى السيدة عائشة هو أكثر من هواية وشغف، بل يحمل لها معاني أهم: فهو في الأول أسلوب علاج أتخذته، وبفضل الله أولا، ثم بهذه الممارسة اليومية التي تقوم بها تمكنت من أن تستعيد حركة يدها اليمنى، وحركة ساقيها، هذه الممارسة التي أكد عليها طبيبها أن تتخذها عادة يومية بهدف إعطائها دافع قوي للعطاء.
وأكد لنا أبنها يحيى أن والدته تحظى بتقدير الجميع، خاصة بعد ما تمكنت من تجاوز مرحلة المرض الى مرحلة الابداع، موضحا أنها كانت تقوم برسم لوحة واحدة في الأسبوع الا أنها الآن ترسم لوحة كل يوم، الأمر الذي جعلها تحظى بذلك التقدير والحب.
ويؤكد لنا هذا العطاء لدى السيدة عائشة أن الفن، يقود للعطاء الذي لا يقف عند سن معينة، كما أنها قدمت لنا معنى مهم يجبرك أن تشاهده في كل لوحة تقدمها وهو هوية فن القط وهوية أهله، فألوانه هي ألوان أرضهم وبيوتهم، فإن تأصل هذا الفن فقد تأصل في نفوسهم، وعاش حياً في ذاكرتهم وتراثهم.
وعن قصة العلاج بالفن يؤكد لنا الدكتور هشام الذي تابع حالة السيدة عائشة أن أهم مراحل علاج المريض تكون بتكوين الفرد الذي يعتني بالمريض بالتثقيف الصحي، حيث أن رفع الوعي لدى الأشخاص الذين يعتنون بالمريض مهم جداً بهدف تسريع العملية العلاجية، وتوسيع المنظومة الشفائية لتتجاوز الطبيب والمريض لتتسع الأفراد المحيطين بالمريض، فكانت من إحدى الطرق العلاجية التي تستخدمها عيادة الطب المنزلي، والذي يوصي بها استشاري أمراض المسنين والشيخوخة.
فالممارسة تبقي لدى كبير السن دافع العطاء، وتمكنه فرداً فعالاً في محيطه، إذ أن أسوء فعل يسيء حالة كبير السن، هو تركه للانتظار، انتظار كحد السيف، لا يفعل شيء سوى جلوسه وارتقاب النهاية، وسلبه المشاركة، فكثير من كبار السن يتم عزلهم عن مخالطة محيطهم والمشاركة، بدافع أن قدرتهم على العطاء ضعفت.
ما يحثنا على رواية هذه القصة، قصة الفنانة السيدة عائشة أبو طرفة، هو إصرارها على الشفاء بأسلوب تعشقه وتجيده، تجاوزت به العلاج التقليدي، بالإضافة إلى أهمية التثقيف الصحي، الذي حرص على تقديمة الدكتور هشام بعيادته وأن يكون أهم ركائز المنظومة الشفائية التي يحظى بها المريض.
كما أن دور عائلة المريض مهم للعلاج والاندماج في محيطه القريب حيث شاهدنا في قصتنا أن ابن السيدة عائشة كان له دور بارز فحرصه أن تمارس والدته عادات جديدة وتغير الروتين اليومي لها، سهل لها طريق العطاء وشعورها بأنها فرد فعال في محيطها.
فالإنسان مهما كبر عليه أن لا يفقد حقه في المشاركة بمجتمعه ومحيطه، والمريض كبير السن خاصة لا يضاعف من سوء حالته إلا تركه ضحية الانتظارومواجهة المجهول، وسلبه المشاركة الفاعلة في محيطه، فالروح في داخلنا حية ما دمنا نتلمس مطالبها ونعاملها على أنها عنصر مهم، فكل ما شعرت بالعطاء والمشاركة دام شبابها، فعائشة أبو طرفة بلوحاتها الجميلة، خير مثال يهدينا الطريق: أن الإنسان لن يفقد حقه في العطاء أبدا ما سمحت المشاركة له في مجتمعه.