التحدي والاستجابة».. نظـرية تفسر عوامل النهضة والنجاح
«تنشأ الحضارات عندما تواجه أمة من الأمم تحد يهدد كيانها فتواجهه ببذل جهد مضاعف استجابة لحب البقاء».
وتفتقر عدد من الدول إلى الانتفاضة وتحدى كل من يسعى إلى إضعافها عن تطوير قدراتها في جميع المجالات.
وفي المملكة نعيش حاليا فترة تحول وانتفاضة ضد كل من حاول الانتقاص منها في الداخل والخارج. وهذا ما ذكره «آرنولد توينبي» Arnold Toynbee (1889-1975) في نظريته التي سماها «التحدي والاستجابة»، وهي نظرية نشأت في موسوعته التاريخية المعنونة بدراسة للتاريخ، وتقع في 12 مجلدا، حيث أنفق توينبي 41 عاما في تأليفها.
محاربة الفساد
حينما تشاهد القوة في مواجهة الفساد الداخلي تلاحظ التحدي غير المسبوق ليس في المملكة بل في العالم، كما أن هنالك سرعة لا يمكن حتى للمحللين ملاحقتها توازيا مع التنمية السريعة، إذ نرى ونشاهد الاتفاقيات تمطر العالم بمستقبل مزدهر تحمله قيادة شابة وفكر حديث توازيا أيضا مع تقليم بل وقص أيدي كل من تسول له نفسه المساس بأمن المملكة، وحينها نقول انتفض الأسد.
تفسير نظرية التحدي والاستجابة
يُـفسّر توينبي نشوء الحضارات الأولى، أو كما يسميها «الحضارات المنقطعة» من خلال نظريـته الشهيرة الخاصة بـ «التحدي والاستجابة»، التي استلهمها من علم النفس السلوكي، وعلى وجه الخصوص من «كارل يونغ» Carl Jung (1875-1961) الذي يقول إن الفرد الذي يتعرض لصدمة قد يفقد توازنه لفترة ما، ثم قد يستجيب لها بنوعين من الاستجابة:
• استجابة سلبية: النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسك به تعويضا عن واقعه المر، فيصبح انطوائيا.
• استجابة إيجابية: تَقـبـل الصدمة والاعتراف بها، ثم محاولة التغلب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيا.
الانتقال إلى مرحلة الإبداع
يتساءل: لماذا تدرس جامعة مثل «هارفرد» الأميركية في مناهجها الإدارية طرق «عمر بن الخطاب»، رضي الله عنه، في إدارة الدولة وإدارة الأزمات والحروب، في الوقت الذي لا يوجد حتى أدنى فكرة لدى المسلمين عن تلك المهارات، بل حتى إنهم لم يجعلوه علما يدرّس؟
ولعل هذه النظرية تمثلت في الدولة اليابانية الحديثة التي درست عيوبها وخططت لمستقبلها وانتقلت من دمار القنبلة الذرية إلى ما هي عليه اليوم من الإبداع في الصناعة والمعرفة.
الوسيلة الذهبية
يرى توينبي في نظريته أنه كلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابها إلى ما يسميه بـ «الوسيلة الذهبية» التي تتلخص في أن أي حضارة تقوم بمواجهة التحدي بسلسلة من الاستجابات التي قد تكون أحيانا غير ناجحة في مواجهة التحديات التي تعترض طريق النهضة والحضارة، ولكن بالتحدي وكثرة المحاولات المتنوعة تهتدي الأمم إلى الحل النموذجي الذي يقودها بأمان إلى النهضة والحضارة، وتكون بذلك قد وصلت إلى الوسيلة الذهبية.
ولعل ما كانت تعانيه الدول العربية والإسلامية هي مشكلة الحلول الفاشلة، حيث العجز عن ولادة أفكار تصل بها إلى الوسيلة الذهبية، فالاستمرار في الأخذ بالوسائل المجربة غير المجدية يمثـل الدوران حول النفس، بينما لو جربت الأمة طرقا جديدة لحققت التغيير المنشود، فقط يتطلب الأمر الجرأة على طرق الأبواب الجديدة ومواجهة التحديات وعدم الاكتفاء بالوسائل المجربة سابقا.
يقول «روبرت شولر» أفضل أن أغير رأيي وأنجح على أن أستمر على الطريقة نفسها وأفشل». ويقول «ليوناردو ديفينشي»، «فقط عبر التجربة نستطيع أن نتعلم شيئا». ويرى توماس أديسون «أن العديد من التجارب الفاشلة في الحياة تكون عندما لا يدرك الناس أنهم كانوا قريبين من النجاح عندما استسلموا». ويعلق أديسون على تجاربه الكثيرة «أنا لم أقم بألف تجربة فاشلة، بل تعرفت على ألف طريق لا يؤدي إلى الحل الصحيح».