الأستاذ الدكتور سعيد القحطاني :السياحة في عسير تحتل المركز الثالث بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة

السياحة وتطورها في منطقة عسير

تاريخ التعديل
سنتان 3 أشهر
الأستاذ الدكتور سعيد القحطاني :السياحة في عسير تحتل المركز الثالث بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة

 

 

 

بين  أستاذ التاريخ السياسي الحديث والمعاصر رئيس قسم التاريخ بالجامعة  الأستاذ الدكتور  سعيد بن مشبب القحطاني أن منطقة عسير اشتهرت بكونها وجهةً سياحيةً بارزةً في المملكة العربية السعودية, فهي تحتل المرتبةَ الثالثةَ بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة من حيث استقبال عدد السائحين سنويًّا, فطوبغرافية المنطقة, واعتدال مناخها أهَّلَها لأن تكون الوجهةَ السياحيةَ البيئية والطبيعية الأولى في المملكة العربية السعودي على امتداد أيام العام.

أهمية عسير   

وأكد الأستاذ الدكتور سعيد القحطاني أن أهميةُ عسير السياحية تعود إلى تفردها بالعديد من المقومات والمزايا التي جعلتها محط أنظار الزوار, ويمثل التراث المتنوع والطبيعة المتميزة أحد أبرز ركائز استراتيجية تطوير المنطقة؛ وهما من أهم تلك المقومات, ويُعدُّ كلٌّ منهما مكملًا للآخر, وقد انعكس اندماجهما على اقتصاد المنطقة بشكل إيجابي ملحوظ, وذلك باستثمار هذين العنصرين, وتوظيفهما بما يخدم المنطقة في المشروعات السياحية والترفيهية, والمرافق العامة المتنوعة, وتحسين الموجود منها سابقًا؛ مما سيجعل من منطقة عسير وجهةً حضاريةً منافسةً لبقية مناطق المملكة العربية السعودية التي حظيت باهتمام القيادة الرشيدة.

السياحة البيئية

كما أوضح أن زوارُ منطقة عسير في العقود الثلاثة الماضية استهدف التراث الطبيعي(البيئي)؛ للاستمتاع بالطبيعة الخلابة, والمناخ المعتدل, وذلك بزيارة المتنزهات الطبيعية كمتنزه عسير الوطني, ودلغان, والقرعاء, والهضبة, وطور المسقي, ومتنزه الأمير سلطان, والتي عُدَّت من أهم المتنزهات الوطنية في المملكة العربية السعودية؛ إذ اشتملت منطقة عسير على8 متنزهات طبيعية من أصل 15 متنزها وطنيًّا على مستوى المملكة, وذلك وفقا لما جاء في دليل السياحة البيئية في المملكة العربية السعودية, الذي أصدرته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقًا.

وإلى جانب السياحة البيئية, مثَّلت السياحة الترفيهية وما يصاحبها من حضور مهرجانات, وإقامة معارض للتسوق نوعًا مهما من أنواع السياحة التي اعتنت بها الجهات الحكومية المختصة في المنطقة خلال العقدين السابقين, ولن نغفل السياحة العلاجية التي اتخذت من ينابيع ثربان في المجاردة وجهةً للاستطباب والاستجمام.

التراث المادي كمصدر للجذب السياحي

وأكد القحطاني أن  المتاحف الخاصة المنتشرة في أغلب المحافظات شكلت عامل جذب سياحي آخر للتعرف إلى النواحي المختلفة من تراث المنطقة غير المادي, حيث شكَّل فن القط العسيري بما تميز به من زخارف ورسوم ملونة جزءًا بارزًا في تلك المتاحف-إن لم يكن الأبرز في تراث المنطقة- خاصة بعد إدراجه ضمن قائمة التراث "الثقافي اللامادي" في المملكة العربية السعودية من قبل منظمة اليونسكو في عام 2017م, وعلى الرغم من كثرة وتنوع تلك الآثار التي تُعرَضُ في تلك المتاحف, إلا أنها تفتقر إلى التخصص؛ لأنها قائمة على جهود فردية من مؤسسيها الذين استهواهم جمع تراث أسلافهم لعرضه أمام الزوار.

ومع ذلك فإن المنطقة لا تزال تفتقر إلى إيجاد أنواع أخرى من المتاحف كمتاحف التاريخ الطبيعي, والعلوم الطبيعية, ومتاحف الفن, ومتاحف العلوم والتكنولوجيا.

وأما بالنسبة للمعارض والمؤتمرات, فقد افتقرت المنطقة سابقًا إلى وجود منشآت خاصة بها, حيث قُدِّر عدد المرافق التي تخدمها بحوالي أربعة مرافق ثانوية, ومرفق رئيس واحد, هذا إلى جانب انعدام وجود مراكز مخصصة للحرف التراثية, وعرض منتوجاتها بحسب إحصائية الغرفة التجارية بأبها في تقريرها الثالث من عام 2019م, غير أن إستراتيجية تطوير المنطقة جاءت لتنهض بجميع الجوانب التنموية في القطاعات المختلفة, وجعلت من السياحة -على اختلاف أنواعها-أحد أبرز ركائز هذه الإستراتيجية؛ حيث جعلت من الإنسان والأرض التي يستقر عليها محورَ اهتمامها. 

السياحة الثقافية

وبين القحطاني أنه إلى جانب ما تم  استعراضه سابقًا, فلا بد من الوقوف قليلًا على تراث منطقة عسير الذي شكَّل عامل جذب رئيس لزوار المنطقة, والراغبين في الاستثمار فيها, حيث تميز هذا التراث بتنوعه ما بين  التراث الطبيعي, والمادي, وغير المادي, وهذه إحدى المزايا التي تفردت بها منطقة عسير عن بقية مناطق المملكة, فقد اشتهرت المنطقة بتراثها وآثارها القديمة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ, وتتنوَّع ما بين مبانٍ عمرانية, ومدافن, وآبار وموارد ثابتة للمياه كالمنشآت الدائرية التي تعود إلى العصر الحجري القديم في العسران, والمذيلات الحجرية في مرتفعات عسير ووادي تثليث, والمقابر الركامية بوادي تثليث, ووادي ترج بالنماص, ومواقع العصر الحجري الحديث في كل من المربع والقرحا ووادي العجمة, والتي تشجع على إقامة معسكرات سياحية وعلمية.

أما بالنسبة للرسوم والنقوش الصخرية, فقد أطلق وزير الثقافة صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله ابن فرحان آل سعود مبادرته الشهيرة تحت عنوان: "نقوش السعودية", والتي تهدف إلى إشراك أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين في استكشاف النقوش والفنون الصخرية في مناطق المملكة, ولا شكَّ أن هذه المبادرة سوف تشجع سكان منطقة عسير على المساهمة في زيادة استكشاف العديد من هذه النقوش, خاصة تلك المخفية منها في المواقع البعيدة عن الأعين, والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بتكاتف جهود سكان المنطقة.

5 الاف قرية

هذا, إلى جانب ما ضمته أوديتها وجبالها وصحاريها من قرًى قديمة قدرت بـ أكثر من خمسة آلاف قرية تراثية, مثلت البيئات المختلفة  للمنطقة,وقد تم تسجيل حوالي 4275 قرية تراثية منها, حيث تعود أقدمها في النشأة إلى أكثر من 500 عام, كقرية رجال ألمع, وقرية الحبلة, وقرية آل الخلف, وقرية المقر بالنماص, وقرية العكاس, وقرية طبب, وقرية العسابلة؛ وتحتوي كلُّ قرية من تلك القرى السابقة الذكر على منشآت معمارية, تنوعت ما بين الحصون, والقصور, والمنازل, والمساجد, والرق, والأزقة, والآبار, وتباينت مواد البناء وهندستها من قرية إلى أخرى تبعا لبيئة المنطقة الطبيعية, كما زخرت بالعديد من الزخارف التي تعكس الفنون التي تميزت بها تلك المنطقة كاستخدام أحجار المرو أو الأصباغ في زخرفتها؛ لتخلق هويةً خاصةً بتلك القرى التي جعلت كل منها متفردةً عن الأخرى.

هذا عدا قرى العصور الحجرية الزراعية, والمأمول الكشف عنها مستقبلا ضمن أعمال المسح والتنقيب المستقبلية, في ظل وجود أدوات حجرية تمثل جميع الفترات الزمنية العائدة إلى هذه العصور.

تشجيع

ولا شكَّ أنَّ وجود مثل هذه الآثار التي تمثل عصور التاريخ المختلفة يشجع على نشاط السياحة الثقافية في المنطقة, ويجعلها أحد أهم مصادر الاقتصاد والاستثمار لمن يرغب في الاستثمار في قطاع السياحة, إذ إنَّ السياحةَ الثقافيةَ تنمو وتزدهر بزيارة المواقع الأثرية, والمتاحف الحضارية, والتعرف إلى الفنون الحرفية والأدائية المتنوعة, كما أنها تُعدُّ محورَ السياحة الرئيس الذي لا يوجد له نظائر في المناطق السياحية الأخرى من المملكة؛ وذلك بسبب وجود المحتوى الثقافي المميز في البرامج السياحية, والمعسكرات الأثرية الموجهة للسياح على مختلف أذواقهم؛ مما يساهم في إنماء القطاع السياحي في منطقة عسير.

 ويمثل  تراث المجتمع وأدبه الذي يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة أحد أبرز مقومات السياحة الثقافية في المنطقة, والتي تسعى إستراتيجية تطوير منطقة عسير إلى إبرازه والعناية به, وهذا لن يتأتى إلا بإقامة  المهرجانات والمؤتمرات العلمية بالتعاون مع  القطاعات الحكومية والخاصة, لا سيما بوجود جامعة الملك خالد, إلى جانب تعزيز أنشطة المراكز والنوادي الأدبية في المنطقة,  وإنشاء مراكز حرفية مختلفة.

دور جامعة الملك خالد في تنشيط السياحة

وأوضح القحطاني أن جامعة الملك خالد-ممثلةً في قسم التاريخ- سعت إلى العناية بالسياحة, والاهتمام بآثار المنطقة؛ لما لها من أهمية في إبراز العمق الحضاري والتاريخي للمنطقة, وتماشيا مع رؤية القيادة الرشيدة في العناية بها, وإطلاق برامح تطويرها, حيث قام القسم  بــــــتطوير واستحداث برامج جديدة, تتواكب مع تطوير منطقة عسير, ويأتي في مقدمتها برنامج "الدبلوم العالي في التراث الوطني", والذي سيسهم-بلا شكٍّ- في تطوير مهارات الملتحقين به, وسيزيد من معارفهم حول تراث وتاريخ منطقة عسير على وجه الخصوص, والتاريخ والتراث السعودي على وجه العموم.

  وأما في المجال الأكاديمي, فقد تم طرح العديد من الوظائف الأكاديمية؛ لاستقطاب معيدين وأعضاء هيئة تدريس من ذوي الكفاءة في مجال السياحة والآثار لهذا العام 1443ه.

 كما يدعم القسم تشجيع طلاب وطالبات الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لإعداد دراسات تاريخية وحضارية عن المنطقة, وتوجيهم التوجيه الأمثل لتقديم دراسات متخصصة بما يحقق الرقي والنهوض بالمنطقة كوجهة سياحية وعالمية قائمة طوال العام, ويكشف في الوقت نفسه عن دورها التاريخي والحضاري.

تطلعات

  ويتطلع القسم من خلال أعضائه إلى إيجاد شراكات مجتمعية فعلية مع مؤسسات المجتمع في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة؛ رغبة منه في توعية المجتمع بأهمية منطقة عسير التاريخية والأثرية, ودورها في تنشيط قطاع السياحة, والتعريف بالعمق الحضاري للمنطقة بما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

سياحة الغذاء

وعن سياحة الغذاء أكد الأستاذ الدكتور سعيد القحطاني أن تنوع الطعام المحلي في منطقة عسير- والذي يعتمد على المنتوجات الزراعية الطبيعية- يمثِّل عاملًا محفز لسياحة  الغذاء, إذ يعدُّ البن والعسل -على اختلاف أنواعه- والحبوب الكاملة كالقمح والدخن والذرة من أهم مكونات الصناعات الغذائية في المنطقة, وذلك إلى جانب المنتوجات الموسمية الزراعية كالرمان, والتين, والبرشومي, والخوخ, والتي يفضلها المصطافون وزوار المنطقة في فصل الصيف, ويحملونها كهدايا تذكارية إلى ذويهم, أضف إلى ذلك البن والزبيب, حيث يحرص السياح وزوار المنطقة على شرائهما, وتقديمهما إلى الأهل والأصدقاء, ومحبي ثمار الطبيعة.

البن

كما بين الأستاذ الدكتور سعيد مشبب القحطاني أن البن الذي اشتهرت المنطقة بزراعته وتقديمه كمشروب رئيس في المناسبات المختلفة, فهو من أهم المشروبات التي تحظى باهتمام الزوار, وتستهوي رغبتهم في التعرف إلى تقاليده, ابتداءً من زراعته وحصاده وتجفيفه, ومرورًا بالتعرف إلى أدوات إعداده من "محماس" و"هاون" و"دلال" متنوعة الأحجام,وانتهاءً بالنكهات المتنوعة التي تضاف إليه كالقرفة والهيل والقرنفل والمستكة, التي كانت تُجلَبُ خلال الألفين الثاني والأول قبل الميلاد عبر درب البخور, الذي مر عبر أراضي منطقة عسير فترة ازدهار تجارتها.

وتجدر الإشارة إلى أن القهوة تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي اللامادي تحت عنوان:"القهوة العربية رمزٌ للكرم", وذلك بالمشاركة مع كلٍّ من دولة الإمارات العربية المتحدة, ودولة قطر, وسلطنة عمان في عام 2015م, إلا أن منطقة عسير تفردت عن بقية الدول الخليجية ومناطق المملكة الأخرى-فيما عدا منطقة جازان- بزراعته في كل من أبها, والمجاردة, وسراة عبيدة, والتي مثلت سفوح جبالها بيئةً طبيعيةً لزراعته ونموه.

وإلى جانب القهوة, نجد العسل ودقيق الحبوب المزروعة محليًّا, حيث دخلا في إعداد وطهي الكثير من الأطعمة المحلية كخبز "الميفا", وخبز الدخن, والفطير, والعريكة ...إلخ, وعليه فإن التراث الغذائي لسكان المدن والقرى الواقعة في منطقة عسير يعدُّ محفزًا مهمًّا لنشأة ما يعرف بــــ:"سياحة الغذاء", ومن الملاحظ  عالميًّا اتجاه السائحين إلى تجربة الأطعمة المحلية؛ للمحافظة على الصحة, وللتعرف إلى العادات والتقاليد الخاصة بتناول الأطعمة, كما يُعَدُّ في الوقت ذاته فرصةً فريدةً لفهم الثقافة المحلية لمن أراد زيارة المنطقة, وهناك من السياح من قد يُقبل على البرامج السياحية التي تحدد نوعية الغذاء المحلي في مقصدهم السياحي, وعندئذ يصبح الطعام من الدوافع الرئيسة للسفر وتحديد وجهة الزيارة, بل تكرارها بشكل دائمٍ, أيضًا هناك بعض السياح الذين يقبلون على البرامج السياحية؛ للمشاركة في الأنشطة المرتبطة بالأغذية والأطعمة كحضور مهرجانات المنتوجات الصيفية أو الشتوية, والمعارض الموسمية, إلى جانب المشاركة في  برامج فنون الطهي المحلي, وبما أن إستراتيجية المنطقة تتجه إلى العمل على تشجيع السياحة الزراعية والريفية؛ فلا بد أن يرافق ذلك عنايةٌ بإنشاء مزارع خاصة بالمنتوجات العضوية, خاصة وأن خلوَّ تلك المنتوجات من المواد الكيمائية قد يكون أحد المحفزات لزيارة السائحين الذين يفضلون مثل هذه المنتوجات التي تزرع بعيدًا عن استخدام المركبات المصنعة, إلى جانب الاستمتاع بالبيئة الريفية؛ وبالتالي سوف تكون سياحة الغذاء أحد عوامل الجذب السياحي في المنطقة, وتشجيع المستثمرين للاستثمار في هذا الجانب.

 وأخيرًا, تعدُّ السياحة الثقافية- إلى جانب سياحة الغذاء- أحدَ أبرز أنواع الأنشطة السياحية التي  نأمل أن تحقق عوائد استثمارية واقتصادية ضخمة, وتخلق فرصًا وظيفيةً واعدة للخريجين, إلى جانب تشجيع أصحاب الفنون والحرف المختلفة في الوقت ذاته للنهوض بها, وإعادة استثمارها, فالاقتصاد والإنسان والأرض من أهم العناصر التي تسعى الإستراتيجية للربط بينها؛ لتكون عسير وجهةً سياحيةً عالميةً طوال العام.