الدكتور محمد جابر: علم التاريخ علم التساؤالت والبحث والتحليل والنقد

تاريخ التعديل
سنة واحدة 3 أشهر
الدكتور محمد جابر: علم التاريخ علم التساؤالت والبحث والتحليل والنقد

 

" أن تدرس التاريخ يعني أن تسأل أكثر، أن تبحث أكثر، أن تحلل أكثر"، هذا ما ذكره الدكتور محمد بن جابر الخالدي من قسم التاريخ بالجامعة خلال الحوار التالي.

في البداية نريد التعرف على الدكتور محمد المالكي في عدة أسطر؟

محمد بن جابر يحيى الخالدي المالكي، من مواليد سنة 1395ه بجبال بني مالك أحد مرتفعات جازان الشرقية، متزوج ولي من الأبناء أربعة (تركي، عبد الله، عبد الرحمن، معاذ)، تلقيت التعليم الابتدائي بابتدائية ذات الخلفين التابعة لتعليم صبيا، وحصلت على الشهادة الابتدائية سنة 1407ه تقريبًا، ثم التحقت بمتوسطة نعامة وحصلت على الشهادة المتوسطة سنة 1410ه، بعدها التحقت بثانوية الداير وحصلت على شهادة الثانوية العامة سنة 1413ه، ثم التحقت بفرع جامعة الملك سعود بأبها وحصلت على شهادة البكالوريوس سنة 1418ه.

 

 ما هو سبب اختيارك لتخصصك الأكاديمي؟

قد يكون التوجيه قاصرًا إلى حدٍ ما في فترة دراستنا للمرحلة الثانوية؛ وغالبًا ما كان يتخرج الطالب حينها من الثانوية العامة دون هدف معين أو ميول معينة؛ لذا كان الدافع الوحيد لاختيار تخصص ما هو إما حبًا لأحد أساتذة المقرر أو لسهولة المقرر نفسه، لكن الأغلب هو التوجه إلى أقرب كلية أو جامعة لضمان القبول أولًا ثم تحديد التخصص ثانيًا وقد يخضع الاختيار لنصيحة أحد أساتذة المقابلة الشخصية بالجامعة؛ وهذا تقريبًا ما حصل معي إذ كنت أميل لتخصص اللغة العربية بداية إلا أنه لم يكن متاحًا حينها في فرع جامعة الملك سعود بأبها، وكان التسجيل في فرع جامعة الإمام قد انتهى ولامناص من اختيار تخصص آخر للحاق بفترة القبول، وهذا ما كان إذ وجهني أحد أساتذة الجامعة إلى اختيار تخصص التاريخ، ولله الحمد كان اختيارًا موفقًا، إذ بدأت أشعر بالشغف لهذا التخصص، والسعي الحثيث للتميز بين زملائي، إلى درجة أنني بدأت أفكر بتأليف أول كتاب لي وأنا في السنة الجامعية الثانية، هذا الهدف الذي لم يتحقق إلا بعد حصولي على درجة الدكتوراه، وفعلًا واصلت الدراسة بتميز وحصلت على الترتيب الثالث على الدفعة، هذا كله رغم تحملي مسؤولية الزواج وأنا في السنة الثانية من الجامعة علاوة على ضيق ذات اليد حينها، وهذا كله بعون الله وتوفيقه.

حدثنا عن مراحلك وتجاربك في التدريس؟

عملت في التعليم العام ما يقارب عشرين عامًا في مناطق متفرقة وفي مراحل التدريس عامة، إذ  كان تعييني الأول في منطقة الباحة وتحديدًا في محافظة قلوة التابعة لتعليم المخواة في أحد مدارسها النائية، كانت التجربة الأولى في التدريس والتي كانت مليئة بالظروف والأحداث المختلفة، إلا أنها كانت تجربة ثرية جدًا تعلمت من خلالها الطرق السليمة للتعامل مع الزملاء وكذلك الطلاب، وأخت أبتكر طرق تدريس جديدة طبقتها على أرض الواقع، كما أدركت أهمية الرسالة السامية التي يحملها المعلم تجاه دينه ووطنه وأبناء بلده، ولذا كان العام الأول من حياتي العملية يعد أحد مراحل البناء في مسرتي العملية والتعليمية.

انتقلت بعدها بعام للعمل معلمًا بإدارة تعليم صبيا التابعة لمنطقة جازان وفي أحد المدارس النائية أيضًا وهي مدرسة آل يحيى وزيدان الابتدائية والمتوسطة وعملت بها معلمًا ثم وكيلًا ثم قائدًا للمدرسة لمدة عام، استمرت هذه المرحلة عامان كاملان عشنا فيها في منطقة نائية حدودية بإمكانات بسيطة جدًا مقابل معاناة كبيرة جدًا من حيث المواصلات وطرق العيش البدائية مع مجموعة من الزملاء السعوديين وغير السعوديين؛ إلا أن تلك القرى النائية كانت بحاجة ماسة لنشر التعليم فيها ومحو الأمية، وهذا ما أعاننا الله على القيام به، علاوة على أدوار اجتماعية ودينية أخرى قمنا بها بفضل الله تعالى.

بعدها انتقلنا للعلم في مدارس أخرى في ذات المنطقة لكنها كانت أحسن أحالًا من سابقتها إلى أن راودتني فكرة إكمال الدراسة بتوجيه ومؤازرة من أحد الزملاء الأفاضل، وفعلًا حصلت على تفرغ من العمل لدراسة مرحلة الماجستير في التاريخ في جامعة الملك خالد، وبعد انتهاء فترة التفرغ كان لابد من العودة إلى العمل في التدريس مرة أخرى في منطقتي السابقة إلا أن ظروف البحث والتدوين وقلة المكتبات ومصادر المعلومات جعلتني أضطر لطلب الانتقال إلى مدينة جدة للعمل بها، وهذا ما كان بالفعل في سنة 1428ه تقريبًا، ثم الانتقال إلى منطقة عسير التي أكملت فيها فترة عملي في التعليم العام بعد حصولي على درجة الماجستير، بعدها مباشرة التحقت بدراسة الدكتوراه في جامعة القصيم وأنا على رأس العمل لأتمكن بفضل الله من الحصول على درجة الدكتوراه بامتياز وأنتقل للعمل في جامعة الطائف أستاذا مساعدًا في التاريخ الحديث لمدة عامين كاملين بعدها وبفضل الله انتقلت للعمل بجامعة الملك خالد.

وهنا رسائل مهمة يجب أن يعيها طالب العلم؛ لعل من أهمها ضرورة التوكل على الله في جميع الأمور، وعدم الالتفات إلى الرسائل السلبية التي يود البعض إيصالها إليك للحد من تميزك، ومحاولة الرضا والتسليم بما كتب الله لك علاوة على أن يضع طالب العلم رضا الوالدين نصب عينيه في كافة مراحل حياته، وتوخي الأمانة والصدق والإتقان في العمل، والتعامل الطيب والحسن مع كافة أفراد مجتمعك وعلى رأسهم طلابك.

 ما أهم مشاركاتك في المؤتمرات سواء على الصعيد المحلي أو العالمي؟

لي مشاركات عديدة في مؤتمرات وندوات وملتقيات على المستوى المحلي وأخرى على نطاق خارجي، ارتبطت بطبيعة عملي كأستاذ من جهة وأخرى كوني عضوًا في بعض المؤسسات الحكومية كالمجالس البلدية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وبعض الجمعيات الأسرية، علاوة على المشاركات المحلية الوطنية.

لعل من أهم هذه المشاركات وعلى نطاق مستمر المشاركة في لقاءات الجمعية التاريخية السعودية التي تعقد كل عام في إحدى مناطق المملكة باعتباري أحد أعضائها، كذلك المشاركة بشكل دوري في لقاءات جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجية التي تعقد كل عام في إحدى دول المجلس وذلك باعتباري أحد أعضائها، علاوة على المشاركة اللقاء السنوي لاتحاد المؤرخين العرب الذي يعقد في المقر الدائم بالقاهرة.

وهناك مؤتمرات عالمية كان لي شرف المشاركة فيها لعل من أهما المؤتمر العالمي الثاني عن تاريخ الملك عبدالعزيز والذي عقد في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة 1436ه، كذلك المشاركة بورقة بحثية في الندوة العالمية السلام والحضارة والتي عقدت في مدينة كوتاهية بجمهورية تركيا 2015م، كذلك المشاركة في المعرض والمنتدى الدولي للتعليم والذي عقد بمدينة الرياض سنة 1433ه، ومؤتمر العملي البلدي الخليجي السادس بمدينة الرياض سنة 1432ه باعتباري عضوًا في المجلس البلدي لبلدية فيفاء، كذلك المشاركة في مؤتمر المكتبات ومعرض الكتاب الدولي بالشارقة سنة 2014م.

 ما المناصب التي عملت بها خلال مسيرتك الأكاديمية؟

مسيرتي الأكاديمية لاتزال قصيرة جدًا لا تتجاوز الأربع سنوات عملت فيها أستاذًا مساعدًا بجامعتي الطائف والملك خالد، إلا أن الفترة العملية الأطول كانت في التعليم العام إذ عملت أستاذا ووكيلًا ومديرًا بكافة المراحل، علاوة على رئاسة بعض اللجان المحلية التي قد تكون على علاقة مباشرة بطبيعة عملي أو بمجالات خدمية ووطنية أخرى.

 ما أبرز إنجازاتك العلمية والعملية؟

مهما كانت إنجازان الإنسان في مجال طلب العلم إلا أنها تبقى محدودة رغم أنها حافز قوي لمواصلة المشوار، ولذا ينبغي لطالب العلم مهما كانت إنجازاته أن يعمل جاهدًا للوصول إلى إنجازات أخرى ومحطات نجاح متتالية كي يستمر التعطش والشغف للوصول إلى النجاح.

ولعل ما وصلت إليه من إنجازات متواضعة على المستوى الشخصي والاجتماعي تكون حافزًا لي لمواصلة البحث عن التميز والإبداع والتي كان من أهما حصولي على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الملك سعود عام 1418ه، ثم حصولي على درجة الماجستير في جامعة الملك خالد سنة 1430ه، وتشرفي بثقة معالي وزير الشؤون البلدية والقروية حينها الأمير منصور بن عبدالعزيز آل سعود بتعييني عضوًا في المجلس البلدي ببليدة فيفاء، ثم حصولي على درجة الدكتوراه من جامعة القصيم بامتياز عام 1439ه، والتي توجت بتعييني أستاذًا مساعدًا بجامعة الطائف، ثم جامعة الملك خالد.

كان من أبرز الإنجازات على المستوى العلمي تأليفي لكتابين: الأول عقد الجمان في تاريخ بني مالك خولان، والآخر القضاء والقضاة في بلاد الحجاز خلال العهد العثماني، إضافة إلى العديد من البحوث العلمية المنشورة في مجلات داخلية وأخرى خارجية، والمشاركة في العديد من المشاريع البحثية على مستوى الوطن.

 كيف ترى المستقبل لتخصص التاريخ؟

لعل من الأصح أن يكون السؤال كالآتي: كيف ترى مستقبل خريجي تخصص التاريخ؟ لأن التخصص (التاريخ) بذاته قائم ومستمر باستمرار الحياة على الأرض، أما مستقبل خريجي تخصص التاريخ وغيرهم فالكفيل بذلك المولى عز وجل، وعلى طالب العلم أيًا كان تخصصه أن تكون لديه قاعدة أساسية حياتية ألا وهي أن المستقبل بيد الله عز وجل، وما عليه إلا أن يعمل ويجد ويجتهد للوصول إلى هدفه، وألا يلقي بالًا لما يتردد حوله من مقولات وشائعات توحي بندرة أو تقلص وظائف تخصصه، كما عليه أن يدرك أن البقاء والمستقبل للأفضل حتى يكون على بينة بأن التميز والإبداع وسيلة مهمة للوصول إلى الهدف.

ومن يدرك تفاصيل رؤية المملكة 2030 يجد أنها فتحت مسارات متعددة لخريجي كافة التخصصات ومنها خريجي تخصص التاريخ، إذ ركزت الرؤية على الجانب التاريخي والحضاري للمملكة وكذلك مجال الآثار والسياحة وهي مجلات وظيفية لخرجي تخصص التاريخ، وما نراه اليوم غيض من فيض مما سيكون في المستقبل من فتح مجالات أخرى متعددة لكافة التخصصات.

ومن الأهمية بمكان أن يسعى خريج تخصص التاريخ للبحث والتقصي عن المجالات الوظيفية المتاحة بين الحين والآخر وألا يبقى في انتظار إعلانات القطاعات المختلفة فقط، إذ هناك مجلات عديدة قد يجهلها البعض ومنها: وزارة الخارجية، العلاقات الدولية، الدبلوماسية الدولية، الملحقيات الثقافية، المعاهد الدبلوماسية، قطاع السياحة، قطاع الآثار، هيئات تطوير المناطق، وغيرها الكثير، فقط يبقى على متخصص التاريخ أن يعمل على أن يكون متميزًا ومبدعًا في تخصصه كي يصل إلى ما يصبو إليه.

الطلاب تختلف شخصياتهم وتتنوع ما هي الصفات التي ترى أنها مناسب لطالب الجامعة؟

من وجهة نظري المتواضعة أن جميع الصفات الشخصية بكافة تنوعها صالحة للالتحاق بالجامعة، ومن ثم فإن من مهام الأستاذ الجامعي أن يكيف بعضها أو من يشذ منها لكي تكون شخصية طالب جامعي، إلا أن هناك بعض الصفات العامة التي يجب أن تكون في الطالب الجامعي أو أن يحاول اكتسابها عبر مسيرته الجامعة ومن أهمها: الانضباط، الجدية، الفاعلية، الشخصية الحية التفاعلية، السعي للمنافسة الشريفة، التواصل المستمر مع أساتذة المقرر وكذلك المرشد الأكاديمي، شغف البحث والتقصي والمعرفة.

 أذكر لنا مساهماتك البحثية في تخصص التاريخ الحديث؟

كوني أستاذًا في التاريخ الحديث والمعاصر فإن من البديهي أن تكون كافة المساهمات البحثية في فترة التاريخ الحديث والمعاصر، سواء كانت البحوث العلمية المعدة للترقية، أو البحوث الأخرى المعدة للمشاركات المحلية وغيرها في اللقاءات والمؤتمرات والندوات المختلفة. ولعلنا قد أشرنا إلى ذلك في الإجابة على السؤال السادس فيما يتعلق بالإنجازات العلمية.

 نصيحتك وكلمتك الأخيرة لطلاب تخصص التاريخ؟

نصيحة لي قبل أن تكون لإخوتي وأبنائي الطلاب أن نضع مخافة الله عز وجل نصب أعيننا في كافة جوانب حياتنا، وبدون هذه القاعدة الحياتية لن تقوم لنا قائمة، ثم البذل والجد والاجتهاد لمواكبة التطورات المتسارعة في الحياة، وإدراك واستيعاب متطلبات العمل وأصحاب العمل في القطاعين الحكومي والخاص، وترك التأجيل والتسويف والاتكالية، وأن تكون الجدية هي الصفة الغالبة على شخصية الطالب الجامعي.

يجب أن يدرك طالب تخصص التاريخ أن علم التاريخ علم التساؤلات والبحث والتحليل والنقد والاستنتاج، علم القادة، علم الساسة، علم قراءة الأحداث، ولذا يجب أن يتحلى طالب التاريخ ببعض هذه الصفات أو محاولة اكتسابها، والعمل بها.

أن تدرس التاريخ يعني أن تسأل أكثر، أن تبحث أكثر، أن تحلل أكثر.

عبد العزيز الشهراني ، سعود الوادعي