د. جابر قميحة يطالب بإيجاد هيئات رقابة لغوية تعاقب أخطاء الإعلام

زكريا حسين
دعا أستاذ الألسن بجامعة عين شمس، الدكتور جابر قميحة إلى الاهتمام بالملاحق الأدبية في الصحف، وتخصيص مساحة منها لنصوص تراثية ودروس نحوية، وعرض الأخطاء الشائعة، على أن يكون ذلك بصفة دائمة ثابتة.
ونادى قميحة عبر دراسة بعنوان «أثر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في اللغة العربية» بضرورة إيجاد هيئات رقابة لغوية على مستوى الدول العربية، مهمتها الأصلية رصد استشراء العامية والسوقية واللغة المبتذلة في الفضائيات العربية وتوقيع العقوبات المناسبة على من يخالف منها.
مؤامرات لهدم العربية
وأشار قميحة إلى وجود مؤامرات تسعى للقضاء على اللغة العربية ومحاولة تخريبها وهدمها، عبر الدعوة إلى ما يلي:
• إحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية.
• إحلال العامية أو العاميات محل العربية الفصحى.
• تمصير اللغة العربية ليتخذ كل قطر لغته الخاصة.
• القضاء على النحو العربي وإلغاء حركات الإعراب وتسكين أواخر الكلمات.
ورد قميحة على تلك الدعاوى قائلا «ماتت في مهدها ولم يكتب لها البقاء، لأنها دعاوى كان وراءها نوايا خبيثة، إذ كان هدفها القضاء على العربية لا نشرها ولا إنماؤها ولا تيسيرها كما زعم هؤلاء، ولأنها دعاوى غير مدروسة، لم تقم على أساس سليم متين، ولأن طبيعة اللغة العربية معنويا وبنيويا وقاعديا لا تتفق مع طبيعة هذه الدعاوى، فليس من اللازم أن يكون الصالح للغة ما كان صالحا لغيرها من اللغات».
ولم ينف قميحة وجود أصوات إصلاحية وراءها رصيد عظيم من العلم وطيب النيات، ضاربا المثل بمحمود تيمور وإبراهيم مصطفى وشوقي ضيف، وما بذلوه من اجتهادات لتيسير عرض العربية وإنمائها ونشرها على أوسع نطاق.
إيجابيات ملحوظة
ولفت قميحة إلى أن وسائل الإعلام حققت كثيرا من الإيجابيات في التعامل مع اللغة العربية، وأوجزها في النقاط الآتية:
• المباشرية، والوصول إلى أفكار الموضوع وصولا مباشرا دون التوقف عند نتوءات فكرية فرعية، ويظهر ذلك بصفة خاصة في نشرات الأخبار والتعليق عليها.
• السهولة والوضوح، فلم تعد تستخدم الغريب أو المهجور أو المُمات من ألفاظ اللغة، وتصدق هذه الخصيصة على البرامج الفكرية، وبرامج التوعية الدينية، وتقديم الكتب التراثية وتحليلها.
• التخفيف من الأثقال اللغوية والخيالية، إلى حد التخلص التام أحيانا من الصور البيانية، فأحلت التعبيرات المباشرة السهلة محل العبارات المجازية.
• استطاعت لغة الإعلام التقريب بين اللهجات المحلية، واللهجة الأم.
• أمدت وسائل الإعلام، اللغة العربية، بكثير من الألفاظ والعبارات والتراكيب الجديدة المولدة، وكثير منها مترجم عن اللسان الأجنبي.
تأثيرات ضارة
واستدرك قميحة أن وسائل الإعلام لم تكن دائما خيرا وبركة على اللغة العربية، فـ «هي إذا كانت قد قدمت نفعا للغة العربية فإنها تسببت في الوقت نفسه في تأثيرات ضارة كانت أفدح وأعتى» وهو ما لخصه الباحث في الأسطر التالية:
• التليفزيون يصرف الأطفال والناشئة عن القراءة وعن أوجه نشاط أخرى مفيدة.
• الإعلانات، وخصوصا التلفازي منها، كانت انتصارا للعاميات، وترويجا للغات الأجنبية، ونشرا للنطق المعيب لكلمات العربية وإفسادا للذوق الفني والحس اللغوي.
وتابع «لقد حققت الإعلانات ذلك في سرعة عجيبة لأنها تعرض بأسلوب فني فتان، موظفة، بإمكاناتها الضخمة، أحدث الوسائل التي تحقق جمال العرض وبراعته، فأصبح الأطفال، بخاصة، متعلقين بها إلى أقصى مدى».
• في الإعلانات الصحفية، أصبحت الأخطاء اللغوية والقاعدية هي الأصل، أما سلامة اللغة فهي الاستثناء، زيادة على أن كثيرا منها يكون مطعما بالقوالب والكلمات الأجنبية بحروف لاتينية، أو حروف عربية.
• تبنت هذه الوسائل، وما تزال تتبنى، الأخطاء الفادحة في المفردات وفي الجمل والتراكيب والحوار والمناقشات والأخطاء في مخارج الحروف ونطق كلمات العربية بلكنة عامية أو أجنبية.
وفي السياق ذاته، سلط قميحة الضوء على ما سماه «أخطاء الكبار» في الإذاعة والتلفاز، مشيرا إلى أن خطأ «الكبير» من الساسة والمفكرين والكتاب أشد خطرا من أخطاء «العاديين»، لأن الآخرين يتلقفونه ويستخدمونه مطمئنين إلى «صحته وسلامته» لأنه صدر من «كبير مشهور».
حلول مقترحة
وردا على سؤال مؤداه «كيف يتأتى للعربية الفصحى أن تكون أداة لنهوضنا وتقدمنا، حتى تتبوأ أمة العرب مكانا عاليا بين سائر الأمم»، دعا قميحة إلى التحرك بصدق وإخلاص في الاتجاهات التالية:
• بذل أقصى جهد ممكن لضمان أن يتحدث أهل التربية والإعلام والسياسة بالعربية الفصحى، ذلك أن اللغة العربية لا تكاد تصافح آذاننا إلا في النادر. وأي لغة تتوقف في إجادة استعمالها على الممارسة والاعتياد، وهذا أمر بدهي.
• التأكيد المستمر على أن التعليم رسالة وليس مهنة أو حرفة، فلا يتصور أن يحب التلميذ اللغة العربية إلا إذا كان من يدرسون له يحبون ويعشقون اللغة العربية ويتحدثون بها.
• تقديم برامج للأطفال باللغة العربية السليمة من خلال الإعلام المسموع والمرئي.
• الاجتهاد في مهمة تجديدها وربط مفرداتها بكل ما يطل برأسه من مستحدثات ومخترعات وابتكارات ومعارف جديدة.
• يجب ألا يشغل وظيفة إعلامي، ونعني به الصحفي والمذيع في الراديو والتلفاز، إلا من كان جديرا بهذا العمل، وذلك باجتيازه امتحانات جادة تبين عن شخصيته وقدراته.
• إصدار معجم إعلامي شامل، يضم الأعلام العربية والأعجمية، والألفاظ والعبارات التي يحتاج إليها الإعلامي أكثر من غيرها، وكذلك الأخطاء التي تشيع بين الإعلاميين، مع بيان علة الخطأ وصورة الصواب.
• مراقبة الإعلانات مراقبة جادة، وعدم السماح بعرضها إلا إذا كانت بالعربية الفصحى، ملتزمة بعدم الخروج عن ديننا، وقيمنا الروحية والأخلاقية.
• تطوير البرامج التعليمية المقدمة من التلفاز، بصفة خاصة، وبعدها عن النمطية المملة.
• الاهتمام بالملاحق الأدبية في الصحف، وتخصيص مساحة منها لنصوص تراثية ودروس نحوية، وعرض الأخطاء الشائعة، ويكون ذلك بصفة دائمة ثابتة.
• تطوير المجلات والصحف الدينية لتستوفي العناصر الجمالية الفنية في الإخراج، حتى ترتفع نسبة توزيعها ونسبة إفادتها.
• تطوير برامج محو الأمية التي تعرض في التلفاز بخاصة، وتعميمها على مستوى الوطن العربي، بصورة عصرية جذابة.
• نشر طروحات المجمع اللغوي على أوسع نطاق حتى لا تبقى هذه الطروحات حبيسة الكتب والمجلات المتخصصة التي لا يسمع بها إلا الأقلون. وعلى وسائل الإعلام أن تتلقف كل جديد يصدره المجمع من ألفاظ الحضارة وتقدمه للناس بصورة دائمة منتظمة.
• يجب تصدير اللغة العربية لدول العالم الثالث، وخصوصا الدول التي ترتفع فيها نسبة المسلمين، ويكون ذلك عن طريق برامج تعليمية مخطط لها بدقة، تذاع عبر الراديو والقنوات الفضائية.
• أن يكون من بين لجان المجالس العليا للصحافة من يتابع ما تنشره الصحف من لغة مبتذلة ولهجات عامية تسيء للذوق العام، سواء في المواد التحريرية أو الإعلانية، لتحاسب وتؤدب من يخرج عن الفصحى أو اللغة السليمة، وأن تتبنى القيادات الصحفية احترام الفصحى والتمسك بها باعتبار ذلك من آداب المهنة أو شرائطها.
• أن يكون هناك على مستوى الدول العربية كلها «هيئات الرقابة اللغوية»، مهمتها الأصلية رصد استشراء العامية والسوقية واللغة المبتذلة في الفضائيات العربية وتوقيع العقوبات المناسبة على من يخالف منها.