هل أصبح الطب الشعبي سوقا لبيع الأوهام؟
رائدة آل محي
يستغل المحتالون ممن يخبئون احتيالهم خلف مسمى «طبيب شعبي»، أو «راق» السذج ويوهمونهم بإمكانية معالجتهم وتخليصهم من الأمراض النفسية أو الجسدية التي يعانون منها، ما يعرض كل محتاج للعلاج إلى الاستغلال المادي وخطر تفاقم حالته المرضية إلى الحد الذي لا يمكن أن يفيد معها العلاج عبر طبيب مختص.
هل أصبح الطب الشعبي سوقا لبيع الأوهام؟.. «آفاق» طرحت هذا السؤال على عدد من المختصين والدارسين للطب والصيدلة والتمريض.
تخويف المرضى
بداية تقول الدكتورة الصيدلانية هاجر دعجم «في الأزمات، وفي المرض خاصة تضعف النفوس ويصبح من السهل وقوعها واستغلالها ببساطة، للأسف الإشاعات وتخويف المرضى من الآثار الجانبية للأدوية وتشجيعهم على الطب الشعبي الذي يمارسه غير المختصين (وأحيانا بطرق خطيرة) لا يزال منتشرا إلى جانب الاعتماد الكلي على الرقية الشرعية وترك العلاج الطب، الأمر الذي أدى لتدهور حالات كثيرة وجعل علاجها في المستشفيات أكثر صعوبة وتعقيدا، وأحيانا يؤدي إلى الموت».
وأردفت قائلة «وقرأت توجيها بترك غسيل الكلى والعلاج بالصمغ العربي مكتوب بخط يد أحد المراجعات في غرفة انتظار مرضى الكلى!
وسيدة لجأت للعلاج بالكي في صدر ابنتها الصغيرة بسبب أنها عانت من نزلة معوية لمدة خمسة أيام، ثم لم تشف إلا بالكي! وبعد تشويه صدر وتعذيب الطفلة المسكينة لم تعلم الأم أن عمر النزلة المعوية من خمسة إلى ستة أيام!»
وتضيف «أو سيدة رفضت دواء منظما للسكري بسبب تحذير رسالة «واتس أب»! لكن دائما ما أقنع المرضى ب «هل مرضك الأخطر أم الدواء»؟ هل مضاعفات مرضك أخطر أم الآثار الجانبية لدوائك؟».
توجيه المريض
وأضافت هاجر دعجم «الخلاصة أن المرضى في حيرة كبيرة، وبحسن نية أو بجهل تكثر النصائح والنواهي؛ لذلك يجب توجيه المريض بالاعتماد على الثوابت في العلاج من دواء ونمط حياة صحي وسليم، ثم الأعشاب والخلطات الطبية المسجلة والمعتمدة من هيئة الغذاء والدواء السعودية فقط، والله الشافي المعافي قبل كل سبب».
النفث تلويث لا علاج
من جانبه أكد طالب طب وجراحة الفم والأسنان حسين القحطاني، أن الطب البديل نشأ منذ عصور الجاهلية وبعد نور الإسلام، مؤكدا أنه تم تغليف بعض الأمور الجاهلية بغطاء الإسلام، لافتا إلى أننا جميعا نعلم ونؤمن أن القرآن علاج للروح، ولكن إقدام البعض على النفث بعد قراءة القرآن على الزيوت أو الماء يتسبب في تلويثهما باللعاب.
إن نفع فضرره أكبر
وأضاف «الطب البديل إن نفع بنسبة ١٠٪ فضرره يكون ٩٠٪ وإن نجح في بعض الحالات فسيخلق مشكلة أخرى، و بالنسبة لكونه تجارة، فـ «نعم».
ويزيد «أصبحنا نرى علب الماء يُزال شريط علامتها التجارية ويكتب الراقي أو المعالج الفلاني، و يكتب رقم هاتفه ويصبح السعر أضعافا مضاعفه.
وبالنسبة لمسمى «الطب البديل» لا أرى أن له علاقه بالطب، وإنما طرق علاجية قد تنفع؛ ولكنها بالتأكيد ستضر وضررها أكثر من نفعها ومن يعمل بها لم يدرس ولم يتعلم؛ وإنما أتى بها من كان قبله وهم أيضا لا يفقهون بها شيئا».
رعاية المستشفى آمنة
من جانبها عبرت طالبة التمريض، أبها آل مزهر عن رفضها لتلك الممارسات، معتبرة أن الرعاية الصحية والأدوية العلاجية المقدمة من المستشفى لها دورها الفعال أيا كان المرض، مرجعة ذلك إلى خضوعها للدراسة والفحص والتجارب، التي تجعلها آمنة على المريض، بالنظر إلى كافة الوظائف والأعضاء و غير ذلك في جسمه، ما يدفع القائم على تقديم الرعاية الصحية إلى إتباع النهج المناسب لإعطاء المريض أدويته بالشكل الصحيح والمفيد.
وأضافت «بالنسبة للطب الشعبي أو ما يسمى بالطب البديل، فأنا لا أنكر أنه قد يعالج أو يساهم في علاج بعض الأمراض، ولكن لا يمكن أن ننظر إليه بأن له فعالية مثبتةة فبالرغم من أن بعض الأدوية أو الأعشاب التي تؤخذ من الطب الشعبي قد تعود بالنفع الصحي للمريض، ولكن في المقابل قد تؤخذ أخرى تضر المريض بشكل أكبر مما يؤدي بعد ذلك إلى الصعوبة في العلاج من جانب المعالج الشعبي أو الطبيب المختص».
حياتنا أمانة
وقالت «ما يجب على الجميع معرفته هو أن الطب الشعبي يقوم على ممارسات و خبرات متفاوتة وليست قائمة على دراسات مثبتة من مراكز أبحاث متطورة أو يقوم بها خبراء ودارسون؛ مما يعني أن نسبة الخطأ والأضرار الناتجة عنه كبيرة و صعبة جدا. أخيرا يجب أن نعلم أن حياتنا أمانة نُسأل عنها، فمن واجبنا أن نحافظ عليها».
مضاعفات تؤدي للوفاة
من جانبه قال الدكتور الصيدلي إبراهيم المالكي «الطب الشعبي غالبا يتم عن طريق تجارب قد تصيب أو تخيب، ويقدم عليه الناس علما فقط بنفعها البسيط دون أضرارها الوخيمة، من تسمم في جرعة من النباتات أو آثار عكسية تنتج عنها تهيجا أو حساسية في مختلف الجسم، غالبا ما يتم توعية المرضي بأضرارها، وخاصة في الأمراض المزمنة مما يؤدي إلى تعارض بعض النباتات والطب الشعبي مع المواد الكيميائية للدواء وينتج فقدان قوة وتركيز الدواء وأضرارا في مضاعفات الأمراض تؤدي إلى الوفاة».
أشخاص غير مختصين
كشفت طالبة الصيدلة الإكلينيكية أسماء أحمد آل صادق، أن ما يتم تداوله بين الناس عن الطب الشعبي وأنه يغني المريض عن مراجعة المستشفيات يترتب عليه أضرار على المريض، مؤكدة أنها ضد ذلك لافتة إلى أنه لم يزل هنا مرضى يلجأون إلى التداوي بالطب الشعبي بدلا من الطب الحديث اعتقادا منهم أن ذلك سيحقق لهم الشفاء.
وقالت «لابد من بناء الطب الشعبي على قواعد وأسس سليمة بتقديم الأعشاب المناسبة للمريض المناسب، لكن سلبياته إذا بني على يد أشخاص غير متخصصين في هذا المجال، ومن الممكن تقديم الأعشاب غير المناسبة للمريض وقد تؤدي به إلى عواقب وخيمة».
وأضافت «ليس صحيحا أن الطب الشعبي يتفوق على الطب الحديث، فبعض الحالات الحرجة تتطلب تدخل الطب الحديث؛ فالطب الشعبي له سلبياته وايجابياته، لكن سلبياته تؤدي إلى جلب الأضرار دون المنفعة للمريض، خصوصا إذا كان الهدف من إعطاء المنتجات غير المناسبة التسويق والبيع».
ربح على حساب الصحة
من جانبها اعتبرت طالبة الطب والجراحة شهد الغامدي، أن الطب الشعبي أو المسمى بالطب البديل مفيد في بعض الحالات البسيطة، ويعتبر مكمل علاجي في بعض الحالات كالزكام والقولون العصبي وغيرها، لافتة إلى أن البعض استغل حاجة وضعف الناس وبحثهم عن العلاج في التسويق والترويج لخلطات ومواد يمكنها أن تزيد المرض وتتسبب في مشاكل وأمراض أخرى قد تصل إلى الموت.
وقالت «أصبح أولئك يوهمون المريض أن العلاج لمرضه يكون بعشبة أو زيت بغرض الربح المادي على حساب صحة المشتري».
وأضافت «هناك سؤال موجه إلى كل من يعاني من مشكلة صحية، لو كان العلاج بهذه البساطة لماذا يُدرس الطب في سبع سنوات على الأقل؟».
أهمية التوعية
من جانبه قال طالب الطب والجراحة فارس آل جار الله «الطب الشعبي أصبح تجارة، وإذا كان من يقوم بممارسة ذلك يمارسها دون علم يستند عليه فإن ذلك تجارة وهم تشكل خطرا على المرضى».
ولفت إلى أهمية التوعية المستمرة وتوافر شهادة علمية لدى من يمارس الطب الشعبي تثبت كونه مختصا ومؤهلا للقيام بذلك، مؤكدا أن الطب الشعبي لا يتشابه مع الطب البديل، فالطب البديل قد يستند إلى علم معين، كعلم العقاقير مثلا، لأخذ المصادر والمعلومات.
وأضاف «مع تقدم العلم إن شاء الله وازدهاره سيصل الناس إلى مرحلة متقدمة من الوعي والإدراك والشعور بمسؤولية كل شخص تجاه صحته وصحة مجتمعه».