كتابات كافكا مابين غموض القصص ووضوح الرسائل

تاريخ التعديل
5 سنوات 3 أشهر

يعتبر الكاتب الألماني «فرانس كافكا» من أكثر كتّاب القرن العشرين الذي يحمل في طيات مسيرته الأدبية جدلية الأسلوب التي تتأرجح ما بين الغموض والوضوح.
فكتاباته القصصية تعتمد على فلسفة التعتيم والتشتت والتشاؤم والغموض إلي حد تسميتها بأدب التشاؤم أو الكتابات الكابوسية.
فمن خلال أدبه أوجد لنفسه تيارا يعرف بالكافكاوية، وكان بذلك رمزا إلى الحداثة الممثلة بالسوداوية والعبثية، ولكن هذا النهج الغامض دحض مع كتاباته الرسائلية Epistolary Writing وتمثلت خاصة في  مجموعة رسائله التي كتبها إلى «ملينا» والتي نشرت بعد وفاته تحت مسمى «رسائل إلى ملينا» اتسمت هذه الكتابات على غير عادته بالوضوح المبالغ فيه فكانت عبارة عن نافذة تطل على ما يختلج في نفسه من شعور تجاه «ملينا» الكاتبة التشيكية التي اتخذت دور المترجم لكتاباته وكانت الملجأ والملاذ لمشاعره، فيستشف القارىء لرسائله أن ملينا هي حبه المفقود، حاضرة بقوه في خاطرته وكتاباته وغائبة في الحياة الواقعية.
ولم تكن رسائله مجرد تبادل مشاعر بين حبيبين فحسب، بل كانت أيقونة للتيار الذي انتمى إليه في ذلك الوقت، وهو التيار الوجودي، فكانت رسائله إلى «ملينا» من أكثر كتب عصر الحداثة صدقا ووجودية، تحدى من خلالها كافكا كل القيود العرفية والاجتماعية؛ فتبادلهما للرسائل لم يكن سبب وجودهما فحسب بل كان وسيلة للتعايش، لأنه جعل من رسائله إليها نموذجا عالميا وأيقونة لكل عشق بلا لقاء جعل من رسائله قناة تواصل لكل من تتوق نفسه إلى مخاطبة الغائب الحاضر بشكل مسترسل صادق لا يشوبه زيف الإخفاء والتعتيم.
لم يستطع كافكا الالتزام بمنهج الغموض، وخانه أسلوبه في رسائله، وكأنه بذلك يدعو لإطلاق العنان لمكنون الإنسان وتدوين كل ما يجول في نفسه من أفكار ومشاعر، فكان كتابه رسائل إلى ملينا السجل الأوفى لكافكا الإنسان والذي منحنا من خلالها رؤية متجددة حول معنى أن تكون الكتابة هي خلاصنا من زيف الواقعية وكيف نجعل من الكتابة وطنا وسكنا ووسيلة عيش تماما مثل الهواء الذي نتنفسه. 
رحل كافكا ولكنه ترك لنا رسائل بديعة نستمع بقراءتها إلى يومنا هذا؛ ولذلك اعتبره النقاد صاحب الظل الأطول بين كتاب القرن العشرين .