«حواء»
حواء 1: تستيقظ مع أذان الفجر، توقظ أسرتها، تعد وجبة الإفطار، تجهز زوجها لدوامه، وأولادها لمدارسهم، تتهيأ لدوامها على عجالة وهي تراقب عقارب الساعة؛ كي لا يفوتها التوقيع قبل الخط الأحمر، تلبس عباءتها وتغلق باب المنزل، تهرول مسرعة للسيارة ناسية كوب قهوتها وساندويتشها كالعادة!
حواء 2: يؤذن الفجر وهي منهمكة في دروسها وأبحاثها. تتنفس بعمق فلا نصيب لها الليلة في النوم! تتجه لغرفة والديها توقظهما بكل حب وحنان، تعد لهما فطورهما الشعبي المفضل، تعطيهما أدوية الصباح، تضع صينية الغداء في الفرن، تلملم كتبها وأوراقها بيد وتخطف كوب الشاي بيد أخرى، تغادر وهي تهتف «أمي فديتك قفلي النار بعد نص ساعة»، وتغدوا بتأخر اليوم!
حواء 3: للمرة الرابعة توقظها صرخات رضيعها، تسحب جسدها بصعوبة، تحمله برفق وتراقبه بقلق، تمشي به يمنة ويسرة وتتمتم بسور وأدعية؛ لتنفث على جسده الصغير المنهك بالحمى. تعيده بهدوء وتتجه بلهفة نحو سريرها علهّا تحظى بدقائق من النوم لكن لا مجال.
يؤذن فتصلي وتستلقي على الأريكة وكل مفصل في جسمها يشتكي، تمسك هاتفها لترسل اعتذارها عن الدوام وفجأة تتذكر: اختبار طالباتي اليوم! تصل إلى الكلية، تناول حاضنة الكلية طفلها وأدويته وتمضي تاركةً قلبها معه!
حواء 4: متغربة عن أهلها، توقظ أختها بكل عطف ودلال، تذهبان للجامعة، تعود وتأخذ قيلولة تهيئ بها نفسها لمساء حافل بالأعباء. تذهب إلى المعهد المسائي الذي تعمل به وتجلس على مكتبها أربع ساعات متتالية. تعود وتتجه إلى المطبخ لتعد عشاء أختها المفضل. تشرح لأختها ما استصعب من مسائل.
تنام أختها فتعكف هي على كتبها. آخر فصل دراسي بالجامعة ولابد من معدل يؤهلها لوظيفة مرموقة؛ لتساند عائلتها بعد إصابة والدها التي ألزمته السرير.
وقبل أن تنام تهاتف والدها كاتمة غصة الفقد والشوق وتعب اليوم «وحشتني يبه! احنا بخير وما ناقصنا شيء!».
هذه حواء! فماذا لو أنها من ضلع «مستقيم»؟ ولو أنها «كاملة عقل ودين»؟
اللهم اكتب أجر كل حواء، واحفظها، فهي الحياة، والجمال، والإنجاز.