«دعني حتى أحضر عقلي»
روي في الأساطير أن رجلا كان يسير بجوار الغابة، وفجأة ظهر له أسد، فارتاع الرجل من ضخامة الأسد، ووجم الأسد من هذا الشكل الغريب أمامه، فقال الأسد للرجل: أنا ملك الغابة ولم أر حيوانا يشبهك!، فمن أنت؟
فقال الرجل: أنا إنسان ولست من حيوانات الغابة.
فقال الأسد: الحيوانات في الغابة لا تجرؤ على مخالفتي، لكنهم يحذروني منك ويقولون أنك الوحيد القادر على هزيمتي، لذلك لا بد ان تثبت لي أنك أنت الأقوى، أو أثبت لهم أني أنا الأقوى.
فقال الرجل: أنت ملك الغابة، ولا يليق بملك مثلك أن يستغل الفرصة ليثبت تفوقه، وأنت تملك سلاحك: أنيابك القوية، ومخالبك، فلو تركتني أعود للبيت لأحضر سلاحي فإني لم أحضره معي.
فقال الأسد: وما هو سلاحك الذي لم تحضره معك؟
فقال الرجل: العقل، فقال الأسد: عد وأحضره ولكن لا تتأخر، فأنا أنتظرك.
قفل الرجل عائدا ثم توقف فجأة، وقال للأسد: وما الذي يضمن لي أني إذا عدت إليك أجدك هنا ولم تهرب خوفا من لقائي؟ فكي أضمن بقاءك أرى أن أصنع لك قفصا وأضعك فيه حتى أضمن بقاءك عند عودتي.
ومن شدة ثقة الأسد، بنفسه وافق على هذا المقترح، فصنع الرجل قفصا من أعواد الخيزران القوية، وأدخل الأسد للقفص ثم أغلق الباب بإحكام وجلس بجوار القفص يتناول طعامه.
فقال الأسد غاضبا: اذهب سريعا وأحضر سلاحك لنتواجه، فقال الرجل: سلاحي معي وهو الذي أدخلك القفص وجعلك تحت رحمتي، وفي قبضتي فليست الحياة بالعضلات، ولا بكثرة المغريات، وإنما الحياة بحسن التصرف والتفكير، فلا تغتر بقوتك ولا بصحتك، فإن بعدها ضعف وشيبة، ولا بمالك وجاهك، فإن بعدها فقر وخيبة، لا تغبط أحدا إلا على عقله، لا تغبطه على ماله، ولا على جاهه، ولا على ولده، فكل ذلك لا فائدة منه بدون العقل، فلولاه لما عرفت مولاك ولا عبدته، ولا اهتديت إليه ولا رجوته، ولا طابت لك الحياة فإن سابَّكَ أحد أو خاصمك، فقل لنفسك: لست ثورا هائجا، ولا جملا صائلا، واهتد بهدي النبي صلى الله عليه وسلم «ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» وقل للذي طالبك للنزال: دعني حتى أُحْضِرَ عقلي.