«عليه الحرام والطلاق»
تعالت الأصوات في نقاش حول موضوع لم استبن حقيقته من مجموعة من الطلبة في أحد أفنية الجامعة، وزاد التنازع ليتردد صوت من هنا أن «عليه الحرام» ليرد عليه الآخر أن «عليه الطلاق» اقتربت منهم مسلما ثم أردفت قائلا «وما ذنب هاتين الضعيفتين لتحرما منهما وتطلقا»، ضحكوا وقالا «هما زوجتا المستقبل»!؟
نموذج يتردد في مجتمعاتنا، كنّا نسمع أمثاله قديما في مثل قولهم «مثل أمي» بمعنى الحلف بالظهار. وجاءني مرة زائر فرغبت أن أكرمه فامتنع مني بأن عليه الطلاق، وأنا أعلم أنه إن أتيته فسيحلف علي بمثلها ليكرمني، ولن أخوض في الحكم الشرعي فيما سبق، ولكني أعجب من بقايا الجاهلية الأولى التي تكمن في بعض النفوس من النظرة الدونية إلى المرأة وامتهان الميثاق الغليظ الذي جعله الله بين الزوجين لتكون كبش فداء للغو الكلام، فلربما اجتمع الزوجان وهما محرمان على بعضهما بسبب هذه الكلمات، وكأن المساجد ومحاضن التربية والتعليم لم تفلح في محوها ولا أريد المبالغة بتقرير أنها ثقافة راسخة في بعض المجتمعات يتعامل بها الكبار والصغار ويرضخ الجميع ذكورا وإناثا لمدلولها؛ فأضحت هذه الكلمات مضغة في ألسنة الفتيان والشباب ممن لم يتزوج أصلا وقد ذكرت في صدر كلامي نموذجا واضحا، وقد بلغوا مرحلة تعليمية عالية؛ لأني حينما ناقشتهم لمست أنهم لم يستشعروا أنهم قالوا منكرا من القول وزورا؛ فكأنهم قد اعتادوا عليها نطقا وسماعا، وغاب عنهم أن المطلقة والمحرمة امرأة هي ام وأخت وبنت ارتبطت بالميثاق الغليظ، الذي يجب أن يحاط بالاحترام ولمن كان سببا لاحترامه وهي المرأة؛ وغاب عنهم أنها امتهان لحدود الله، فما ذكر الله أحكام الطلاق والظهار في كتابه، إلاّ ختمها بأنها حدود الله متوعدا من انتهكها بالعذاب الأليم. وما عوتب النبي صلى الله عليه وسلم بعتاب من ربه أشد من عتاب الله له حينما حرم على نفسه الحلال .
وغاب عنهم أنها تعد على الله؛ لأن من كان حالفا فليحلف بالله، ومن حلف بغير الله فقد وقع في إثم عظيم ومن تعدى على الله فلا عجب أن يتعدى حدوده.