«لا بأس في بعض الأحيان أن تفكر بعقل الشيطان»
نظر في ساعةِ يده فإذا هي قد تجاوزت الثانية بعد الظهر بقليلٍ، لملم أوراقه، وأغلق باب المكتب بعد أن أطفأ المصابيح، وتوجّه متّئداً في خطواتِهِ نحو سيارته القريبة من مكتبه، فتح باب السيارة، وأدار محرّكها بعد أن ربط الحزام، أخذ الجوال واتصل على شريكة حياته، ألو: الطرف الآخر: نعم، حبيبتي أنا قادم هل ترغبين في إحضار شيءٍ معي وأنا قادم، الزوجة: أرسلت لك الطلبات على الواتس أكيد لم تطلع عليها؟ لا لم أرها لكني الآن أراها وأحضرها بإذن الله، الزوجة: لو كانت الرسالة من بعض أصحابك لفتحتها وقرأتها ورددت عليها و و و و . أنا آسف حبيبتي كنتُ مشغولاً، ولك علي أن أحضر طلباتك، الزوجة: لا تنس شيئاً منها، صديقاتي سيأتون عندي بعد العصر، ولا تتأخر!! حسناً حبيبتي حسناً، ثم أغلق الهاتف، حرك سيارته تجاه السوق المركزي القريب من البيت، وبعد شراء الطلبات توجّه للمنزل محمّلاً بالأكياس المليئة بالمشتريات، دخل البيت وزوجته على الأريكة تتابع "هياط المهايطين" في قناة بداية، سلم ولم يسمع منها رداً للسلام، فأخذ الأكياس ووضعها على طاولة المطبخ، لكنه شعر ببرودة البيت وكأنّ الحبيبة الغالية لم تعدّ الغداء!! سألها: ألم تعدّي لنا الغداء؟ فردّت وهي تتابع القناة: لا، أنا مشغولة، وللتو وصلت من المدرسة وأنا متعبة مثلك وأكثر، وكان من المفروض أن تحضر معك الغداء من أي مطعمٍ، وكان وكان وكان، فقاطعها قائلاً: لا عليك يا الغالية سأدخل أنام وبعد العصر نتغدى بإذن الله، قالت: بعد العصر زميلاتي سيأتون عندي ولا أريد وجودك في البيت، حسناً حسناً، كما تشائين.
استلقى على السرير، والزوجة الحنون على الأريكة تتابع قناة "المهايطين"، هذا يتراقص، وذاك يستخف بظلّه، وهذا "يتميلح"، وذاك يداعب شعره، وهذا يطارد هذا في هياطٍ ممجوج، وفجأة تغيرت ملامح الزوجة الحنون، وشعرت بتوتّرٍ في أعصابها، يا إلهي ماذا لو أنّه تزوّج عليَّ!! وهل يعقل أنه متزوّج وأنا لا أعلم؟ وهل هذا البرود منه دليل على هذا؟ أم طيبةٌ زائدة؟ وكيف لي أن أتأكّد؟ قامت نحو غرفة النوم تريد استجوابه، فرأت وجهها في المرآة، ووقفت تنظر شكلها وقالت: وهل سيجد أحسن مني؟ وما الّذي ينقصه حتى يفكر في الزّاج عليَّ؟!! ثم اهتدت لحيلة قبل إيقاظه واستنطاقه، أن تفتّش في جواله، تسلّلت للغرفة كالحرباء، وأخذت الجوال وانسلّت على أطراف أصابع رجليها انسلال الأفعى، ثم أخذت تتصفح الأسماء أوّلاً، وفي نهاية القائمة وقف شعرُ رأسِهاَ، وانتفخت أوداجها، وقامت وقعدت، من هذه الّتي أسماها نبضَ الفؤاد، قامت بسرعة نحو الزّوج النائم لتوقظه بعنف، لكنها تريّثت وقالت: اتصل عليها أوّلاً، فأخذت جوال الزوج ورنت على الهاتف وقد استحضرت قاموس الشتائم وفردته أمامها لتبدأ تسميعه بعد الرّد، وفجأة ذهب كل شيءٍ، وشعرت بِخَدَرٍ في أطرافِها حينما سمعت هاتفها يرنُّ، نظرت لهاتفها فإذا المتّصل جوال زوجها، يا إلهي كم أنا ظالمةٌ لهذا المخلص الوفيِّ!! ثم قررت تأخير موعد صاحباتها لما بعد المغرب، استيقظ أخونا بعد أذان العصر وهم بالخروج للصلاة وترك المنزل للحبيبة وصاحباتها فأبت الزوجة تدعه يخرج لأداء الصلاة في المسجد، وطلبت منه بحنية غير معهودة أن يصلي في البيت؛ لأنها تريده في أمر هام بعد الصلاة، لم يعر الأناقة في اللبس فقد تعوّد أنّها أناقة لصاحباتها، صلى العصر وبعد الصلاةِ فتحت له باب الصالة فدهِش حينما رأى أغلب مشترياته على الطاولة مع الشموع والورد والبخور، سألها عن السبب فقالت: حفلة تأنيب ضمير، وتكفير ذنوب، لقد أسأت بك الظّنَ، وهذه الحفلة لك حبيبي وأخبرته بالقصة كاملة، فقال: وهل يمكن أن أتزوج عليك أيتها الغالية، يكفيني وجودك في هذه الحياة، وبعد أن تناول القليل من الطعام استأذنها للخروج من المنزل ليترك لها المكان تستمتع مع صاحباتها بقية اليوم، فمدت يدها داخل شنطة يدها وأخرجت خمسة آلاف ريال قائلةً: هذه كفارة عما بدر مني تجاهك من إساءة ظنٍ، فحاول كاذباً أن يرفضَ فأصرّت، أخذ النقود وتوجّه نحو سوق الذهب واشترى عقداً وخاتماً وأهداه لزوجته الجديدة التي أسماها في جواله" أرشد خان".
إذا استطعت أن تتجاوز الأزمات فلا تتردد في تجاوزها، فليس الحلّ في النّبرة، ولكنّه في الحِكمةِ، وإياك أن تفتعل الأزمات فإنها لا تأت بخير، تعامل مع شريكة حياتك كما تتعامل مع طفلك، فالمرأة مهما كبرت وكبر عقلها إلاّ أن العاطفة هي التي تتحكم فيها وتسيّرها، فلا تعاملها كضدٍ، بل عاملها كندٍ، إذا لك حقٌ فخذه بعقلك لا بذراعك وصراخك، فليست الرّجولة في التهكّمِ، بل في التّحكمِ، حتى وإن قصّرت في حقِّك فإياك أن تقصر في حقها، فكل منكم له وعليه، وليس شرطاً أن تتباهى أنك تزوجت عليها بنت فلان، بل تزوج بنت فلان وفكر في ايصال الحقيقة لها ولو بعقلِ الشيطان.