آليات التغيير
إن المتتبع لمجريات الأمور والأحداث عبر مختلف الحقب التاريخية التي مرَّت على الدول والمجتمعات في مختلف بقاع العالم يلاحظ أن حالات التغيير التي تعتريها تَتبع دائما منطلقات نقدية وسبل منهجية دقيقة تستند الى العقل والتقصي والتحقيق في تحديد مساراته واتجاهاته التي يسلكها باختلاف ظروف الزمان والمكان.
وفي هذا الإطار تعتبر الصحافة الاستقصائية هي الآلية الأساسية التي من شأنها إحداث التغيير ومحاربة الفساد في أوساط الشعوب ومتابعة التعاملات الاجتماعية في مختلف المجالات الحيوية المرتبطة بالتنمية, وخاصة في إثارة ومعالجة مواضيع وقضايا هامة تؤثر على واقع الناس وتحدد مسار مستقبلهم من خلال تحقيقات صحفية تعمل على تنوير الرأي العام وتحقيق التغيير.
فالصحفي السلوفاكي المشهور «يان كويساك» كان له الفضل من خلال التحقيقات التي أنجزها في إثارة الرأي العام ضد الفساد في بلده وفي العديد من دول العالم والدفع بعجلة التغيير فيها الى الأمام وأيضا التحفيز على انبعاث القيم والمبادئ بها عبر أعمال العديد من الكتاب والمفكرين التي خدمت أوطانهم وأسست لنجاحها ورقيها.
ولو بحثنا بعمق في أنشطة التغيير المصاحبة للصحافة الاستقصائية وخاصة في أوروبا وأمريكا لوجدنا أنها تمثل جوهر ومركز الحركة في كل الميادين المرتبطة ببناءاتها التفكيرية في المستقبل بغرض رسم الخطط والبرامج الضرورية للنماء والتطور , ثم إن وجود هذا التَّوجه في هذا التفكير التغييري المستمر والقاعدي لدى العديد من الشعوب بالدول الغربية وخاصة في المانيا التي تعتبر من الدول الأكثر تغيُّرا في أوروبا نظرا لازدهار الصحافة الاستقصائية بها التي تروج للأفكار الداعمة لعمليات التغيير الايجابي.
وبالتالي فإن وجود الصحافة الاستقصائية بشكل مكثف في المجتمع الألماني يعود الى التأثير البارز والمهم الذي أحدثه كتاب الفيلسوف الألماني «هيجل» الذي عرف رواجا في كامل الدول الأوروبية, ويحمل عنوان «ظاهريات الروح» أين وضَّح فيه الدعائم الضرورية لإرساء عمليات التغيير الناجحة في المجتمعات مؤكدا أن التحقيق والتقصي ومراقبة البيئة الاجتماعية يشكلان القاعدة الجوهرية والرئيسية التي تحدد كينونة التغيير وأسسه الفعَّالة على أرض الواقع حتى يتفاعل الناس في المجتمع بصفة إيجابية مع مختلف المؤسسات الموجودة في محيطهم الاجتماعي والثقافي والديني وغيره...
فالتغيير في مجتمعاتنا يجب أن يبدأ أساسا من خلال دعم الصحافة الاستقصائية والتفكير النقدي جعلهما محور الإصلاح والتطوير حتى نستطيع أن نرى واقعنا بشكل واضح وحقيقي تتجلى فيه كل مكامن الضعف والقوة ونستطيع بذلك أن نبني حاضرنا دون أن نهدم ماضينا أو نعيق مسيرتنا نحو مستقبل أفضل.