أمل
أول شهر من عملي وكيلا للكلية، تلقيت اتصالا من أحد أولياء الأمور يسألني عن ابنه، مخبرا أن ابنه قد أمضى ست سنوات في الكلية، وسيفرح هذه السنة فرحتين؛ فرحة التخرج وفرحة الزفاف، وأنه استبطأ تخرجه مع تطمين ابنه أنه لم يبق له إلا فصل دراسي، كان صوت الأب مليئا بالتفاؤل، القلق، والفرحة المحبوسة.
طلبت منه الرقم الجامعي للطالب؛ لأنظر في حالته الأكاديمية، كان الرقم المملى علي مؤشرا على أن الطالب قد جاوز المدة المتوقع فيها تخرجه؛ ولكن مع لهفة الأب لم أتسرع في الجواب، لعل وعسىو وأجبته بأني سأتأكد من وضعه ثم اتصل به.
ولم يخب توقعي؛ فقد كان قيد الابن مطويا منذ ثلاثة فصول وأن بينه وبين التخرج مفاوز وقفار.
ترددت قليلا في الاتصال لئلا أكون غراب بين؛ ولكن كان لا بد مما ليس منه بد، فناقل الكفر ليس بكافر.
ذوت نبرة التفاؤل وخفت صوت الفرحة وحلت محلها نبرة حزن وخيبة أمل وتهدج صوته بكلمات مخنوقة بالعبرة؛ فقد وفر لابنه ما يحتاج لبيئة دراسية جيدة، وأنه قد فرغه لهذا وأنه بات محرجا من أصهار ابنه؛ لأنه قد أخبرهم بأنه سيتخرج هذا العام.
كان جواب جبر الخاطر مني حاضرا، وأن المشكلة هنا تكمن في أين كان الابن خلال الفصول الثلاثة وماذا كان يفعل؟
صورة مكررة صاحبتني عشر سنوات وكيلا، فعميدا لكثير من الحالات تتشابه في حقائقها مع اختلاف أشخاصها، تلخصت في استغلال هؤلاء الطلبة لشعور الاطمئنان الذي يسببه شعور الثقة الممنوحة لهم من آبائهم يزيد بعضهم كون أسرته تقطن خارج المنطقة، فيزيده شعورا بالأمان لبعدهم عن أعين أسرهم، فيركنون إلى الانفلات من الارتباط بالدراسة عن طريق الشلل اللاهية وزملاء الندم.
ويزداد الأمر خطورة إذا انجرف في طريق الإرهاب والمخدرات والانحرافات الخلقية.
ولو رأى هؤلاء الدموع وتغير لون الوجوه وسمعوا ما سمعت من بكاء ومر الشكوى الدالة على انهيار أحلامهم؛ لبادروا إلى تصحيح وضعهم والتزام التفوق والنجاح لأن الآباء والأمهات يستشعرون نجاحهم بدخول ابنهم الجامعة وتهيئة الجو المناسب له، وضحوا في سبيل ذلك ربما بالاستدانة أو حرمان أنفسهم وأسرهم، وكانوا يتفاخرون بأن ابنهم أضحى جامعيا وهم في انتظار تخرج الأبناء يتمنون طَي الأعوام ليروا ذلك اليوم؛ ليفاجأوا بخيبة الأمل وتحطم الأحلام وانهيار بناء الثقة التي منحوها لأبنائهم.