المصيدة والفأر
كان هناك رجل عجوز يعيش مع زوجته، وكان لهم مزرعة متواضعة بها بقرة وشاة ودجاجة، هذا كل ما يملكون من حطام الدنيا، حياتهم مستقرة هانئة وهادئة، لم ينغص عليهم غير فأر خبيث لا يدع لهم شيئا إلا وقرضه، فقرر الرجل اصطياده وقتله
أحضر العجوز مصيدة للفئران ووضعها في المكان المناسب، خرج الفأر كعادته كي يمارس هوايته في الإفساد، وقرض ما يصادفه من الحبال والأخشاب والطعام والفراش، فرأى المصيدة وقد نصبت في طريقه، فجنّ جنونه، وأخذ يجري من هنا إلى هناك ثم قرر الذهاب إلى البقرة، عله يجد عندها ما يذهب همه، ويكشف غمه.
ذهب إليها شاكيا ومستنجِدا ومحذرا من وجود مصيدة قد نصبت وقال: احذروها وأعينوني على التخلص منها.
فقالت البقرة: أكل هذا حاصل وأنا لا أدري! غداً ستترمل الثيران، وتتيتم العجول، اغرب عن وجهي أيها الفاسق قبل أن أرفسك، فهذه المصيدة نصبت لك ولا شأن لي بها، وعليك أن تتحمّل نتيجة أفعالك.
تركته وعبثا حاول إقناعها بأن الأمر جد خطير، فتوجه نحو الشاة وأخبرها بالخبر المفزع، فقالت الشاة: أهذا ما جئت تحذرني منه؟! هذا يوم السعد أن نتخلص منك، وما دخلي أنا في المصيدة، وهل تظن أني سأقع فيها، ابتعد عني.
تركها الفأر: ثم توجه نحو الدجاجة عله يجد عندها ما لم يجده عند البقرة والشاة، فحذرها من المصيدة وأنها قد نصبت، فصاحت الدجاجة وولولت، وهاجت وماجت، وطلبت منه الاتصال بفرقة الإنقاذ! ثم التفتت إليه وقالت: هذه المصيدة لك أيها الفاسق المؤذي، ابتعد عني ولا تشغلني عن أداء واجباتي.
حزن الفأر من هذه الردود، وانزوى بعيدا عن المصيدة يفكر كيف يأخذ حذره منها.
وفي ليلة من الليالي غير المقمرة سمعت العجوز صوت المصيدة، فقامت من فراشها وتوجهت نحو المصيدة وهي لا تشك أبدا في أن الفأر أضحى صريعا فأخذت العجوز تتحسّس المصيدة في الظلام، وفجأة شعرت بنابي الأفعى يلتقيان في يدها، واتضح أن المصيدة قد اصطادت أفعى وليس فأرا.
صرخت العجوز من شدة الألم، ووقعت مغشيا عليها، قام الرجل من نومه مذعورا فرأى زوجته شبه جثة هامدة، أخذها على جناح السرعة للمستشفى وقد أعطيت بعض المضادات الحيوية، ثم طلب منه رئيس الأطباء أن يسقيها مرقة دجاج بلدي، فتوجه الرجل سريعا نحو البيت وأمسك بالدجاجة وذبحها، وسلقها وسقى زوجته مرقتها.
سمع الجيران بالأمر فتوجهوا لبيت الرجل وزوجته للاطمئنان عليها، فاضطر الرجل أن يذبح لهم الخروف كي يقوم بالواجب نحوهم، وبعد أيام توفيت العجوز فتوافد الأقرباء وبقية المعزين من هنا وهناك، واستوطنوا داره ثلاثة أيام لأداء سنة العزاء، ولم يكن من بد من ذبح البقرة كي يقوم بالواجب تجاه الأعداد الغفيرة فذبحها وقدمها لهم.
أخي القارئ الكريم: أحضر الرجل المصيدة للقضاء على الفأر، فنجا منها بحذره، ووقع فيها كل من تهاون بها، وظن أنها لا تعنيه ولا شأن له بها.
فلا تظن الشر الذي يطال جارك لن يصل إليك، أو أن النار التي اندلعت في بيته لن تمتد ألسنتها لبيتك.
فلا تستهن بالشر ولو كان صغيرا، ولا بالإثم ولو كان حقيرا، فالسيل من قطرات، والجبال من حصيات، فلا تتوانى في مساعدة الغير، ولا تقصر في عمل الخير، واعلم أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وإياك أن تقول: أنا ومن ورائي السيل، ولكن قل: أنا ومن ورائي الخير، أحبّ لغيرك ما تحبُّ لنفسك، فإن ذلك من علامة الإيمان، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، ولا تنس مصيدة الفأر.