النشيد الوطني السعودي ... تاريخٌ وشموخ

تاريخ التعديل
سنتان 9 أشهر
Afaq logo

لمـّا كان العَلَم السعودي الذي يحمل عبارة التوحيد الخالدة هو عَلَم له مميّزاته وخصوصيته بالنسبة لبقية الأعْلام العالمية - فهو لا يُنكّس في المناسبات الحزينة، ولا يُلفّ على أكـفـان وجـثث الموتى من الملوك أو القـادة العسكريين بالمملكة ولا يُحنى عند تفتيش كبار الضيوف لحرس الشرف فقد تميّز كذلك نشيدنا الوطني بكلماته التي تحمل معاني السلام وعبارات الإيمان وكلمات الوطنية والانتماء. وقد كان لهذا النشيد تميّزه ليس في طبيعته فحسب، بل في مراحل ظهوره وتطوره التاريخي كذلك.
ويعرف النشيد الوطني لأيّ بلد أو دولة بأنه "أغنية وطنية رسمية لدولة ما تهدف إلى إثارة روح الوطنية والولاء بين أوساط مواطني البلاد، وتُؤدّى في المناسبات العامة الرسمية والشعائرية، والاجتماعات الدولية والتظاهرات الرياضية، كما تُعزف لتشريف رئيس دولة ما"والنشيد الوطني السعودي لا يختلف عن بقية أناشيد العالم الوطنية، فقد وُضع لتعزيز الوطنية وتمكين روح التضحية في قلوب المواطنين، ولكن هذا النشيد تميّز عن بقية أناشيد الوطن العربي والعالم الإسلامي بروحه الدِّينية ومعانيه العَقَديّة التي تُعبّر عن المملكة كبلادٍ للحرمين الشريفين وقبلة للمسلمين أجمعين.
وقد مر نشيدنا الوطني بمراحل  تطور تاريخيه مهمة بداية من مرحلة التفرّغ التام للملك المؤسّس عبد العزيز لبناء دولته الناشئة، فلم تكن فكرة وضع نشيد وطني وعزف سلامه واردة حينها، بسبب كثرة التحديات وعِظَم المهمّات، ولكن عند الزيارة التاريخية للملك عبد العزيز إلى مصر سنة 1365هـ/1945م أدرك نجله الأمير منصور (1337-1370هـ/1918-1951م) ضرورة تمتّع المملكة - كدولة ذات سيادة - بسلام ملكي يُصاغ لحنًا، ونشيد وطني يواكب موسيقى السلام، فكُلّف الملحن المصري عبد الرحمن الخطيب (1340-1434هـ/1922-2013م) أن يؤلّف موسيقى للسلام الملكي، على كلمات النشيد الوطني الذي كان نَظَمهُ سابقًا الشاعر السعودي محمد طلعت عبد الرحمن عادل. 

وكلماته:
يعيش مليكنا المحبوب     أرواحُـــنا فِــــداه
حامي الحَرَم
هيّا اهتفوا عاش الملك     هيّا ارفعوا راية الوطن
اهتفوا وردّدوا النشيد   
   يعيش يعيش الملك (4)
. ثم قام الملحّن السعودي طارق عبد الحكيم بوضع موسيقى أخرى للنشيد الوطني سنة 1366هـ/1947م على آلة البوق (5).
المرحلة الثانية: ظلّ النشيد الوطني القديم موجود نظريًّا ولكن غير مفعّل عمليًّا، إلى أن قام الملك خالد رحمه الله بزيارة مصر سنة 1395هـ/1975م، فلفت انتباهه عند أداء مراسم الاستقبال الرسمية عدم وجود نشيد وطني يصاحب موسيقى السّلام الملكي، فأمر وزير إعلامه بالبحث عن شاعر سعودي يكتب نشيد بلاده الوطني، فتمّ اختيار الشاعر المقتدر إبراهيم بن عبد الرحمن خفاجي (1345-1439هـ/1927-2017م)، فباشر الأخير الكتابة، ولكن بوفاة الملك خالد رحمه الله تأجّل المشروع إلى بعد حين
المرحلة الأخيرة: في مطلع عهد الملك فهد رحمه الله استُؤنف المشروع بعد أن وضع خادم الحرمين الشريفين شروطًا لمحتواه، منها ألاّ يُذكر فيه اسم الملك، وألاّ تخرج كلماته عن مبادئ الدِّين والتقاليد، فقام مجلس الوزراء بإرسال كلمات النشيد بعد اكتماله إلى مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض، الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي لمراجعتها المراجعة الشرعية النهائية من قبل منسوبي الجامعة
وكان الشاعر خفاجي قد اعتكف لأشهر على كتابة النشيد حتى اكتمل، وكان من أربع مقاطع، كل مقطع يُردّد كالتالي:
سارعي للمجد والعلياء مَجِّدي لخالق السماء
وارْفَعِ الـخفّاق أخـضـر     يـحمل النور المسطّر
   رَدّدِي الله أكبر يا موطني
موطني عشت فخر المسلمين   عاش الـملك للعَلَم والوطن
ثم سُلّم للملّحن السعودي سراج عمر العمودي (1365-1439هـ/1946-2018م) لوضع موسيقى السَّلام الملكي على كلماته، وقد رُكّبت كلمات النشيد على اللّحن المعتمد للسَّلام الملكي، بخلاف العادة التي هي أخذ اللّحن من الشعر وليس العكس وكان يوم الجمعة الموافق لغرّة عيد الفطر المبارك سنة 1404هـ/29 يونيو سنة 1984م هو يوم الميلاد الرسمي للنشيد الوطني السعودي، وقد بُثّ في ذلك اليوم على مسامع الشعب السعودي وبقية شعوب العالم في محطات الإذاعة والتلفزيون السعودية كفاتحة لبرامجها اليومية

 

 

 

د.عبير فهد المهيلب

أستاذ التاريخ الحضاري المساعد