تبليغ الحديث وحفظه
إن الكتاب والسنّة توأمان. وقد كان جبريل ينزل بالسنّة كما ينزل بالقرآن. فهي وحي إلهي منزل، وهي المرجع الأول في تفسير القرآن الكريم، والمصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
ولذلك كان لعلم الحديث مكانته السامية، وكان لأهل الحديث مكانتهم المرموقة بين العلماء. ويكفيهم شرفاً أن النبي, صلى الله عليه وسلم, قال بشأنهم، في حديث شريف «نضر الله امرأ سمع مقالتي، فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». في هذا الحديث الشريف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: »نضّر» أي دعا لمن بلغ حديثه بالنضارة وهي النعمة والبهجة يقال: نضره الله ونضره،
فإن في وجوه أهل الحديث نضرة، وقيل الحديث أشار به إلى من يبلغون سنته، ومنه قوله تعالى «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» ناضرة يعني حَسُنة إلى ربها ناظرة، يعني تنظر بالعين إلى الله عز وجل، منهم قوله تبارك وتعالى «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورا» أي حُسنَا وسُروراَ في الوجوه وسرورا في القلوب.
ودعا لهم بالوجاهةِ بين الناس، وقد استجاب الله تعالى دعوة نبيه، صلى الله عليه وسلم، لأهل الحديث كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: فما من أحد يطلب حديثاً إلا وفي وجهِه نضرة. والمراد أنه لا يوجد أحد من طلاب الحديث إلاّ وقد منحه الله تعالى نشاطا، وقوة في جسمه، وصفاء في لونه، وبهجة في صورته ووجاهة بين الناس، وإنما دعا له النبي، صلى الله عليه وسلم، بهذه الدعوة المباركة ، فكان جزاؤه من جنس عمله.
وأما فائدة ذلك: فإنها لا تقدر فضلا وخيرا وأجرا. ويكفي المسلم شرفا أن يكون حافظا لأحاديث النبي، صلى الله عليه وسلم، ووعاء من أوعية العلم، فقد قال الله تعالى «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة:11)، وقال تعالى «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (الزمر:9)، ويكفي حافظ الحديث فضلاً دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.