ث: ثبات
من طالباتي اللاتي قررن عيني وأثلجن صدري وحفرن في ذاكرتي:
طالبة «طب» في مرحلة التدريب في المستشفى بمعطف طويل ووشاح واسع ونقاب ساتر في زمن زعزعة الحجاب وفتنة التبرج.
طالبة «لغات وترجمة» تلتقي كل يوم بعاملات النظافة تسألهن عن أحوالهن وتشاركهن همومهن وتعطيهن نبذة عن الإسلام باللغة الإنجليزية في زمن غربة الإسلام وندرة الدعوة وهمّ الدين.
طالبة «حاسب وتقنية» تصر على حذف خلفيات موسيقية لفيديوهات تعليمية في زمن الاستخفاف بحرمة الموسيقى وانتشارها في كل مكان.
طالبة «إعلام» أرى اسمها في كل منتدى وموقع تدافع عن وطنها وتذود عن حياض دينها وتسعى لوحدة أمتها في زمن الإشاعات والفتن والطائفية.
طالبة «شريعة» تجتمع بصويحباتها كل يوم في زاوية يراجعن ما حفظن من سور وأحاديث في زمن هجر الكتاب والسّنة.
طالبة «علوم» أراها كل فصل في مبادرة تطوعية نوعية في زمن الماديات والمصالح.
طالبة «آداب» تزور الخالات كل يوم لنصف ساعة، تزرع السرور في أنفسهن وتحفظهن الفاتحة وسور من القرآن في زمن الانغماس في مشاغل الحياة وانعدام الإحساس بالغير.
طالبة «اقتصاد» تصنع بيديها ملابس أطفال صوفية كل شتاء وترسلها لدار أيتام في زمن اندثار الإنسانية وموت الضمير.
هؤلاء الطالبات وأمثالهن ذاقت قلوبهن حلاوة الثبات وارتوت أرواحهن عذب اليقين بالذات فتشبثن بالحق في مواجهة عواصف الفتن والمتغيرات. ثباتهن لا ينفي أن لهن قلوبا تخفق للحياة ومتعها؛ لكنها تروم حياة أبدية ولذائذ لا تنغصها شوائب ولا يهددها زوال، فأخذن الحياة معبرا يتزودن فيه بصنائع الخير والمعروف وارتقين بأنفسهن، ففاقت مطالبهن وعلت أهدافهن عن لجج الحياة الفانية.
الثبات والاعتزاز بالنفس والدين والوطن ورفض المساومة على المبادئ والقيم عملة نادرة تنبع من علم وإيمان وعمل، وهو سبيل السعادة والسؤدد والانتصار والتمكين. ولا بد فيه من صبر ومجاهدة وعزم وإرادة.
فلنعلم قلوبنا الثبات فغدا نلقى أحلامنا حقيقة، ونرى أن صبر اللحظة الأولى اهدانا خلفها أجمل اللحظات.. وانطوى!