خداع مقصود

تاريخ التعديل
6 سنوات 8 أشهر

بعد أحد عشرة عاما من حكم محكمة اتحادية بالولايات المتحدة الأمريكية برئاسة القاضية «جلاديس كيسلر»، ما زالت شركات التبغ (الدخان) العملاقة تراوغ في عدم نشر تصحيح لبياناتها الكاذبة للجمهور عن أضرار التدخين.

وكانت القاضية المذكورة قد بينت في حكمها المكون من ١٦٨٣ صفحة عام ٢٠٠٦، بأن شركات صناعة التبغ في أمريكا تتسبب في «موت أعداد مذهلة من البشر سنويا، كما تسببت في إحداث كمية غير محدودة من المعاناة والخسارة الاقتصادية، ومثّلت استنزافا وعبئا ثقيلا على أنظمة الرعاية الصحية بالولايات المتحدة».

واتهمت المحكمة شركات الدخان بابتزاز المال، والكذب في عدم توضيح مخاطر التدخين على صحة المدخنين، وإنكار تسويق الدخان بين الأطفال لتشجيعهم على التدخين.

ويتضمّن حكم المحكمة نشر إعلانات التصحيح في ٥٠ صحيفة أمريكية وعلى شبكات التلفزة الرئيسة لمدة عام كامل، لكن شركات التبغ نجحت في تأخير نشر التصحيح واطلاع الناس على المصائب الناتجة عن التدخين، وذلك من خلال التأجيل في النشر والتسويف المتعمد والاستئناف القضائي على الحكم بالاستناد إلى أمور تافهة مثل الجدل حول عبارات معينة في الإعلانات التصحيحية أو حتى حجم الحروف المطبوعة فيها.

وحتى اليوم ما زالت شركات التبغ في الولايات المتحدة تنفق ما يعادل مليون دولار في الساعة الواحدة للترويج للدخان، والإعلان عنه في الأسواق وأماكن الترفيه والبيع بالجملة، وهذا عكس ما يحدث في معظم الدول الأوروبية وبلدان أخرى من إبراز التحذير بمضار التدخين وإظهاره على كل منتجات التبغ لجذب انتباه الغافل عن مساوئ الدخان، وهو وإن كان يمثل شيئا قليلا في التنبيه على مخاطر التدخين؛ إلا أنه قوبل بمقاومة من جهابذة صناع الدخان.

والجدير بالذكر أن أصل نبات التبغ هو القارة الأمريكية من قبل أن يكتشفه كولومبس ويعود به إلى قارة أوروبا ومن ثم لباقي العالم، ولنا أن نتصور عدد الهالكين منذ ذلك الزمان جراء التدخين بأنواعه (السجائر والسيجار والشيشة والغليون).

فما يزال يموت ٤٨٠٠٠٠ أميركي كل عام بسبب التدخين وبسبب الأمراض المتعلقة به، ويمثل سرطان الرئة الخبيث السبب الرئيس للموت بالسرطان بين الرجال والنساء على السواء، ويموت منه كل عام أعداد تفوق الموتى من سرطان الثدي والقولون والبروستاتا مجتمعين.

مشكلة التدخين هذه تبين لنا كيف تتنوع الأفكار وتتفاوت الثقافات، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواضيع ذات صبغة ضرورية للناس والمجتمعات، وهي واحدة من القضايا التي تُظهر لنا سيطرة وجبروت النفوذ والمال على المشرّعين ومتخذي القرارات، كما تكشف لنا طغيان التحالفات المختلفة بغرض الجشع في جمع المال بصرف النظر عن مصدره وجهات إنفاقه، وعواقب هذا كله شر وخزي وخبال، وصدق الله القائل: «..إن الله لا يصلح عمل المفسدين» (يونس:٨١).