خير من الدنيا وما فيها
ننام آمنين مطمئنين ونباشر أعمالنا هانئين، ونقر في بيوتنا مع أسرنا متنعمين وتجري أيامنا في رغد عيش، ويغيب عن كثير أن لما سبق ثمنا غاليا يدفعه نخبة طيبة من أبناء وطننا، نذروا أنفسهم للدفاع عنه وحمايته، وبذلوا أغلى ما يملكون للذود عن مقدراته ألا وهي أرواحهم.
ننعم بالظل الظليل وهم تحت وهج الشمس، والنوم الهنيء وهم يواصلون الليل بالنهار عينا ساهرة ترقب كل معتد يريد النيل من بلادنا.
نتناول ما نشاء من طعام وشراب وهم قد رضوا باليسير مما يقيم أودهم، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ونحن ننعم بالفراش الوثير والأثاث، يتعرضون للجراح فيضمدونها، ولا تمنعهم من مواصلة رسالتهم السامية.
مقام شرف ومنزل كرامة حل به هؤلاء، تغبر أقدامهم في سبيل الله «فما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار، ورباطا لا يعرف به نوما ورباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وعينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس في سبيل الله».
سبيل فخار وخير ما يفخر به المرء موقف الدفاع عن عرضه وحماه ووطنه في سبيل الله، والشهادة في سبيل ذلك رتبة سامية؛ لأن الثمن في ذلك هي أرواحهم.
والمقام يطول ببيان المنزلة العليا لجنودنا البواسل دنيا و آخرة.
وما أحرانا أن نستذكر الواجب العظيم الذي يقومون به؛ فمجرد تذكره وتذكير أبنائنا وطلبتنا هو أول الواجب الذي يمتد بصادق الدعاء والتنويه بفضلهم، وربما أَن نخلفهم في أهلهم ونقوم بشأن ذويهم والسير على طريقهم بحفظ الجبهة الداخلية وصم الآذان عن كل ناعق يريد السوء بوطننا ووحدتنا، أو الطعن في قيادتنا.
فهذه رتبة ربما نقترب به من سمو رتبتهم وشريف قدرهم والمسؤولية تتضاعف مع امتداد الوقت الذي يورث لدى الأنفس الضعيفة ظن تأخر النصر. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.