فوائد السفر ومصائبه

نشأنا ونحن نسمع ما يتردد عن فوائد السفر والسياحة في طول الدنيا وعرضها، وبدأنا نحن أيضا نكرر ما يقوله الخبراء وعابرو القارات عن ميزات السفر والتجوال في أرض الله الواسعة، ولعلّ أكثرها صيتا قول الإمام الشافعي رحمه الله:

تغرب عن الأوطان في طلب العلا  
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تـفــرج هــم واكتســاب معيشــة
وعلــم وآداب وصـحبــة مـاجــد

ثم تطور الأمر وأصبح للسفر سبع فوائد بدلا من خمس هي: تفريج الهموم وطلب الرزق وتحصيل العلم وتحصيل الآداب وتكوين الصداقات واستجابة الدعوة وزيادة الأصحاب. وفي رأيي أن قائمة فوائد السفر قابلة لاستيعاب مالا يمكن حصره من الفوائد؛ إلا أن الإمام الشافعي حدثنا أيضا عن أن للسفر مشاكل وبلايا، فينشد رحمه الله تعالى:

وإن قيل في الأسفار ذل ومحنة
وقطع الفيافي واكتساب الشدائد
فموت الفتى خيرٌ له من حياتـه
بـدار هـوان بيـن واش وحاســد

فما دامت قائمة فوائد السفر قابلة للزيادة بلا حدود فكذلك قائمة المصائب. وهذه آخرها: حيث نشرت مجلة الأمراض المعدية المركزية للطب البيولوجي في عددها الأخير هذا الشهر نتائج دراسة قام بها باحثون فنلنديون وبريطانيون عن انتشار الجراثيم المسببة للأمراض في أرجاء مبنى مطار هلسنكي (عاصمة فنلندا) والتي توجد في كل مكان يرتاده المسافرون، في أماكن الدفع بالنقد ومنضدة فحص جوازات السفر ومناطق لعب الأطفال.
إلا أن أكثر الأماكن التي تعج بالفيروسات كانت الأوعية البلاستيكية التي يضع فيها المسافرون أغراضهم للتفتيش بواسطة الأشعة أثناء سفرهم من خلال المطار، والتي يتم لمسها من كل المسافرين تقريبا، ومعظم الجراثيم هي فيروسات تتسبب في ما يشبه نزلات البرد، وفي غياب أي خطوات وقائية، فاحتمالات الإصابة بأمراض ناتجة عن فيروسات المطارات قائم وقد يفسرها المسافرون على أنهم تلقوا العدوى عن طريق العطس أو الكحة أو إجهاد السفر.
بقي لي أن أذكر أن من معجزات الإسلام دعاء السفر الذي يحمل في طياته كلا الجانبين للسفر: حلوه ومره، فاحتوى على الفوائد المرغوبة منه التي يدعو بها المسلم، ويستغيث بالله ويعوذ منه من الشرور الناتجة عنه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبّر ثلاثا ثم قال «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل».
وإذا رجع قالهن وزاد فيهنّ «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون».