لا تكن كصاحب الدونات

رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
تاريخ التعديل
6 سنوات 8 أشهر

حطت طائرة صاحبنا الدولية ترانزيت في مطار أوروبي، نزل منها وتوجه نحو صالة المغادرة استعدادا لركوب الطائرة الأخرى التي ستقله لبلده، ولما كان عليه أن يبقى ساعتين في صالة المغادرة، فقد قرر أن يشتري بعض المأكولات، فتوجه لبوفيه صغير في طرف صالة المغادرة وفوجئ على غير عادة المطارات أن خمس دونات بمثلها ريالات فقط.

اشترى خمسا من تلك الدّونات، وطوى الصحيفة التي كانت بيده، وجر حقيبته، وتوجه نحو طاولة منعزلة يتصفح الصحيفة، ويستمتع بالدّونات، ولم يطوِ الصحيفة حتى فوجئ برجل أمامه يظهر عليه التشرد ويبتسم في وجهه، ابتسم صاحبنا اللّبق من باب المجاملة، وأعاد فتح الصحيفة ليقرأها وصرف وجهه عن هذا الرجل الغريب عنه، سمع صوت خشخشة أمامه، نحى الصحيفة قليلا ليرى ففوجئ بالمتشرد يدخل يده في كيس الدونات ويستخرج واحدة منها ويضعها في فمه، تضايق من هذه الصفاقة، ولم يدع كلمة نابية إلا وأسرها في نفسه على هذا المتشرد.

مد صاحبنا يده داخل الكيس وأخذ واحدة من الدونات الخاصة به وأثناء ذلك مد المتشرد يده مرة ثانية وأخذ الثالثة والتهمها، فاشتاط صاحبنا غضبا لكنه لم يبده له، وأسره في نفسه، فسارع لأخذ الرابعة قبل أن يلتهما هذا المتشرد، وما أن أخذها حتى أُعلنَ عن طائرة المتشرّد، وقبل أن يغادر مدّ المتشرد يده داخل الكيس واستخرج الخامسة والأخيرة، ثم قسمها نصفين أخذ نصفها وأعطى صاحبنا النصف الآخر وهو يبتسم ابتسامة صفراء لا تسرّ النّاظرين.

أخذ صاحبنا النصف ووجهه عابسٌ، وقال في نفسه: لم أر مثل هذه الصفاقة في حياتي ولا أعتقد أني سأرى مثلها، تناولها بامتعاض من يد المتشرد وصد عنه بوجهه، وبعد حوالي نصف ساعة أُعلِن عن طائرته، فحمل حقيبته على كتفه، وما أن وقف حتى صُعِق مما يرى، وبُهتَ مما شاهد. لقد رأى كيس الدونات الخاصة به تحت الشنطة، لقد نسي أن يضعه على الطاولة الّتي أمامه، وكان يظن أن كيس دونات المتشرد يخصّه! لكنه تبين أنه هو من كان يشارك المتشرد دوناته، ندم صاحبنا أشد الندم على ما بدر منه من تعبيس وجه، وسوء ظن تجاه ذلك الرجل الفقير في رسمه، الغني في نفسه. 

لا تحكم على أحد من مظهره قبل أن تعرف مخبره، لا تغتر بشكلك ولا بمالك ولا بجاهك، فقد يمتلك فقير معدم ما تفتقر إليه وتتمناه. لا تعجل في الحكم على الآخرين بغلبة الظن فإنه أكذب الحديث، لا تنقل كلاما عن الآخرين وصل إليك لا تدري مصدره فتبوء بإثمه وإثم ناشريه، إن حقا فهو غِيبة، وإن باطلا فهو بهتان، لا تُسيءُ الظن بالآخرين فما فيك يكفيك، إذا مددت يدك لجالس للمصافحة فلم يقم فلا تنقم عليه، قد تُفاجأ بأنه لا يستطيع القيام فتكون كصاحب الدّونات.