مشهور الغفلة
هبطت بهو الفندق الذي قطنته في مدينة الرياض، وبجانب منه ركن وضعت في خزانته طائفة من الكتب النفيسة، ولا يستثار فضولي مطلقا إلاّ إذا رأيت كتابا في متناول اليد، فحينها تهدأ نفسي بالاطلاع على عنوانه وتقليب أوراقه؛ وحينها أخذت أطالع وأقلب ولم يلفت نظري وجود شاب في مطلع العشرينات من عمره، عندما هممت بالجلوس وبيدي مجلد من كتب تلك الخزانة إلاّ عندما هبّ واقفا وأخذ يذهب ويجيء أمامي، ثم يجلس ثم يقوم.
التفتّ إليه فصوب بصره إليّ نظر المتعرف علي؛ فألقيت عليه السلام رغم كوني كنت جالسا، وهو واقف؛ فرد السلام. كان السلام مني فاصلا، فإن كان يعرفني ولا أعرفه فسيقبل إليّ. إلاّ أنه استمر ينظر لي، فقمت وتناولت مجلدا آخر فقام واقترب مني فزاد استغرابي؛ لأنني استشعرت كأنه هو من يريد أن أتعرف عليه.
لم أعرفه فأنا في مدينة غير مدينتي، فهيأته ولباسه الإفرنجي الناعم لا يساعداني على تذكره، وليس من النوع الذي آنس به.
وذهب عني شعور سابق أن لعلي أضحيت معروفا وأنا لا أشعر، ثقلت علي تصرفاته فصعدت إلى غرفتي ثم عاودت النزول ممنيا نفسي أنه انصرف. فراعني أن صاحبي قد توسط بهو الفندق، وقد اجتمع إليه رهط مختلط من شباب وشابات في مقتبل العمر، يلتقطون معه الصور بأصوات فرحة، ورهط آخر يبحث عنه. فتعالي الصيحات أشبه بصيحتي لو رأيت غائبا عزيزا جمعني به لقاء.
كانت علامات الزهو قد بدت في ملامح ذلك الشاب وهو يسمع كلاماً لم أتبينه إلاّ حينما اقتربت منهم «نحن نشكرك على تحديد هذا الموعد»، «نحن نتابع سناباتك باستمرار» كان يجيبهم والبشر يتهلل من وجهه بالشكر والوعد بمزيد من السنابشات التي كان وقعها غريباً على أذني آنذاك.
خرجت من باب الفندق ووفود داخلة إلى الفندق من نفس الفئة العمرية. لم أفطن إلاّ بعد حين، أن صاحبي الذي انتشرت مقاطعه عبر الأجهزة الذكية وقد ملأها بالتافه من الكلام واللغو من الحديث الذي يسهم في تسطيح الفكر وانحطاط الهمم وتفاهة الاهتمامات والسعي إلى الشهرة بأسرع وسيلة، قد ضرب لمتابعيه موعدا في هذا الفندق؛ ليحظوا بالنظر إلى طلته البهية.
فعرفت من نظراته إليّ وقد أحاط به معجبوه أني متخلف عن الركب، إذ كان من المفترض وقد كان ينظر إليّ، وتهيأ لي للاجتماع به قبل معجبيه أن أسارع إليه جذلا شاكرا الظروف التي هيّأت لي السكن في هذا الفندق لأشرف بلقائه.