هل الاختلاف في الرأي نعمة أم نقمة؟
لقد لاحظت أن الكثير من المناقشات وحتى العلمية منها أصبحت في مجتمعاتنا الراهنة نقمة عليها، بحيث تنتهي في كثير من الأحيان بخلاف ونزاع مغاير لمعنى المثل القائل إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية؛ ولكن وللأسف الشديد صار يفسده إفسادا مما جعل الأمور في حياتنا تتعقد؛ لتصبح متشابكة ومبرزة لسلوكيات إقصائية في المجتمع أدَّت إلى هيمنة الجدال والصدام عليه واضمحلال التحضر والرؤى النيِّرة فيه.
يعجبني رائد التنوير الأوروبي «فولتير» Voltaire عندما يقول «قد أختلف معك في الرأي ولكنني أدفع حياتي مقابل حقّك في التعبير عن رأيك».
فالاختلاف شيء طبيعي لدى البشر قد يظهر في لباسهم وهيئاتهم وطبائعهم وأمزجتهم وخاصة في آرائهم، وتتراءى بهذا حكمة الله في خلقه عبر هذا التنوع الذي يكرسه الاختلاف.
لقد زاد إعجابي أكثر بهذه المقولة عندما رأيت أنها تتوافق مع ديننا الإسلامي الحنيف، الذي جعل من الاختلاف في الرأي أداة لإنتاج الحضارة والتنافس الفكري والتوجه نحو المنظور وغير المنظور في المستقبل، فاستنارت أوروبا من هذه القيم والأفكار لتؤسس نهضة غربية عمت أرجاء العالم برمته من خلال أفكار وآراء لمبدعين وفلاسفة مجدوا التنوع والاختلاف في أعمالهم، من بينهم الفنان والعالم الإيطالي «ليوناردو دافينشي» Leonardo da Vinci الذي أبهر البشرية بإنتاجاته في الرسم والتشريح وعلم الحركة مُشعلا بذلك فتيل النَّهضة الأوروبية منذ عام 1519, بحيث أنه استحدث من خلال كتابه «نظرية التصوير» مناهج تأخذ الاختلاف في الرأي والفكر آلية للتخيل والتحليل الفكري؛ فأصبحت إلى حد الآن ركيزة أساسية للاستنباط العلمي.
فلنجعل الاختلاف في الرأي وسيلة لتحريك الهمم ونستغل هذه النعمة التي حبانا الله بها لتفجير الطاقات الإبداعية العقلانية في مجتمعاتنا للسير بها نحو مستقبل أفضل.