ومضات في جماليات الشعر في اللغة العربية
لغتنا العربية الفصحى غاية في الجمال، فإمّا جمال في المعنى، وإمّا جمال في توظيف الألفاظ، والتناغم بينها للتعبير الدقيق عن الفكرة، وإمّا جمال التصوير والتشخيص، وغير ذلك من مناحي الجمال.
فأي جمال في المعاني السامية التي ذكرها عنترة وجعلت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: ما أحببت أن ألتقي بواحد من الأعراب مثلما أحببت أن ألتقي عنترة؛ لأنه قال:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد
لا أتبع النفس اللجوج هواها
وأي جمال في المعاني استطاع الحطيئة أن يوصلها إلى عمر الفاروق، حين سجنه وراح يستعطفه بهذه الأبيات:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله يا عمر
وكان من تأثير قوله أن عفا عنه عمر رضي الله عنه.
وأي جمال في توظيف أفعال الأمر في مدح المتنبىء لسيف الدولة والدعاء له قائلا:
عشِ ابقَ اسْمُ سُدْ قُدْ جُدْ مُرِ انْهَ رِ فِ اسْر ِنَلْ
غظِ ارْمِ صِبِ احْمِ اغْزُ اسْبِ رُعْ زَعْ دِ لِ اثْنِ نَلْ
وهذا دعاء لو سكتُّ كُفيته
لأني سألت الله فيك وقد فعل
وما أجمل التشخيص الذي ورد في قصيدة (النهر المتجمد) للشاعر ميخائيل نعيمة، مُعبّرًا فيه عن حاله وحزنه، ومنه قوله:
يا نهر هل نضبت مياهك فانقطعت عن الخرير
أم قد هرمت وخار عزمك فانثنيت عن المسير؟
بالأمس كنت مرنمًا بين الحدائق والزهور
تتلو على الدنيا وما فيها أحاديث الدهـور
بالأمس كنت إذا أتيتك باكيًا سليتني
واليوم صرت إذا أتيتك ضاحـكًا أبكيتني
ويختم القصيدة قائلا:
يا نهرُ ذا قلبي أراه كما أراك مُكبّلًا
والفرق أنك سوف تنشط من عقالك وهو لا
وفي كل كلام فصيح أصاب الفكرة، ونقل بين ثناياه تجربة ثرّة وخبرة، وأحدث تفاعلا مع المتلقي، جمالا متوّجا برجاحة عقل وعِبْرة.