يتيم
قطع انشغالي بمعالجة أرقام الصراف الآلي طرق لطيف على نافذة السيارة، التفتُ فإذا بصبي لم يجاوز العاشرة نحيل البدن ملقيا علي السلام، رددت عليه وبأدب جم: أتسمح لي يا عم بخدمة، بادرته بالإيجاب. رفع قنينة كبيرة فارغة قائلا «أتسمح بأن توصلني البقالة في الشارع المقابل؟».
ركب بجواري ووارى وجهه إلى جهة الشارع فسألته: أين والدك؟ تحشرج صوته والتفت إليّ بوجه لا يمكن نسيان مسحة الألم والحزن التي أوقعها سؤالي: لقد مات منذ عامين، لمت نفسي على السؤال المذموم. اعذرني يا عم على إشغالك. نحن منقطعون والجيران لا يقصرون، أمي ترعاني وترعى أختي المريضة وهي تخرج كل عشية لبيع ما تيسر من خبز تخبزه أو طعام تصنعه؛ أما حاجات البيت كما ترى، مثل الماء، فإني أخرج من البيت الذي خلفه لنا أبي لأستعين بعابر سبيل مثلك متبعا تعليمات أمي ألا أركب إلا من أرى أني في أمان منه. سكت الطفل وكأنه أراد أن يلقي حملا كبيرا ليشبع فضولي فأسكت عن السؤال.
عقب ببراءة، ترك والدي سيارة وهي واقفة داخل المنزل، وعندما أكبر سأقودها وسأقضي حاجات البيت وأخدم أمي وأختي.
لم أستطع أن أنبس بكلمة واحدة فعبرتي ستمنعني من الكلام. قاومتها بأن دخلت البقالة صحبة الصبي الذي دفع بقنينته وأخرج ريالات معدودة فطلبت البائع تجهيز الطعام الذي لا يستغني عنه بيت والصبي يمانع، فقلت: إنما أنت ضيفي وأشرت له إلى أصناف الحلوى ليأخذ منها ما يشاء وسألته عما تريد أخته فقال تحب حلوى الجوز.
خطر في ذهني وأنا أوصل الصبي إلى منزله أولادي، «وليخش الذين لو تَرَكُوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا».
كم هو عظيم هول الترمل لامرأة فقدت زوجها فوجب عليها أن تكون أبا وأما معا! وكم هو عظيم هول اليتم على الأطفال بفقدهم نبع العطف!
وكم هو عظيم نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يقول «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر». وقوله «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وقرن بين أصبعيه»، وكم هو عظيم تقصيرنا في تلمس أهل الحاجة بصدقاتنا.