إدارة التغيير
يعتقد الكثير من الناس أن التغيير عملية قدرية تحدث في المجتمعات بطريقة عشوائية , ولكن واقع الحال و ظروف الزمان و المكان قد اثبتا طيلة عقود من التجارب التغييرية في المجتمعات أن هذا الرأي لم يكن صحيحا , فقد تبين من خلال تطورات العلم وأساسيات المنطق العقلي وفلسفة التاريخ أن التغيير في حقيقته ما هو الا رحلة مسار علمي وسلوك تطبيقي منظم يؤدي بطريقة حتمية الى الدخول في مراحل منهجية يمر بها المجتمع بشكل تراتبي منطقي والتي ترسم شكله وجوهره وواقعه ومستقبله ويجب اتباعها وإدارتها بالشكل الصحيح وبصفة دقيقة لبناء التغيير بداخله.
فلو تتبعنا مثلا حركة التغيير وإدارته في المجتمع الألماني الذي عرف بداية مسيرته التغييرية في القرن الثامن عشر الميلادي وسلطنا الأضواء الكاشفة عليها لوجدنا أن كتاب "ظاهريات الروح" للفيلسوف الألماني الشهير "فريديريك هيجل" قد شكل منعطفا حاسما وبارزا في هبوب رياح التغيير التي عمت كل أرجاء أرجاء ألمانيا بصفة خاصة وعمت مختلف بلدان أوروبا بصفة عامة في تلك الفترة التاريخية وأدخلتها في عصر التأسيس المعرفي, وذلك من خلال إبرازه للخطوات الفكرية المنهجية الأساسية والضرورية لعملية التغيير الناجحة في المجتمعات والتي تبدأ بالوعي بالذات ثم بالواقع وأخيرا الوعي بالمجتمع.
فالوعي بالذات يجعل الفرد يحفز ملكته التفكيرية والاخلاقية التي تجعله يدرك أهمية وجوده في الحياة ,ليأتي بعد ذلك وبطريقة منطقية الوعي بالواقع ليبني الشخص علاقات إيجابية مع الآخرين ومع كل المؤسسات في المجتمع, أما الوعي بالمجتمع فإنه يمثل المرحلة الأخيرة من مسار التغيير ليفسح المجال لتأطير حركته وفق امتدادات الوعي في سياقاته الفردية الإدراكية والمجتمعية .
فهذه الخطوات التي طرحها المفكر الجدلي "هيجل" قبل ثلاثة قرون من الزمن قد اثبتت بصفة ملموسة فعاليتها ونجاحها في المجتمع الألماني وأنشأت نمطا جديدا في التفكير الأوروبي يتسم بالعقلانية والجدلية النقدية.
فالتغيير يبدأ أولا وقبل كل شيء من ذواتنا عبر تحريك وعينا بها وتصورنا عنها حسيا وذهنيا وعقليا واطلاق العنان بعد ذلك لتفكيرنا في الوجود المطلق وفي واقعنا و المجتمع لتتحرك عملية التغيير وإدارته بداخله بشكل صحيح وسليم وناجح .